في انتظار حرب حمقاء على ايران؟؟



فجأة مر في مخيلتي ذلك الشريط الذي يعود تاريخه الى ما قبل اكثر من عقدين، سألت جليسي:
- أما زال كارلوس مسجونا في فرنسا؟
رد على السؤال بسؤال:
- ومن هو كارلوس هذا؟
- ولو يا رجل!! كارلوس ابن ابو كارلوس! أجبت.
ضحك وضحكت.
عادت بي الذاكرة الى تلك الحقبة من الزمن. فذات انتخابات افتعل الخصوم السياسيون العائليون، شجارا عنيفا، ردا على منشور انتخابي كان الجبهويون يقومون بتوزيعه. ذهب ضحية الشجار عدد من الجرحى، وذهبنا نحن الى ما وراء القضبان، في سجن عكا. كنا نحن "المعتدين" كما قررت الشرطة (قبل الجماهيرية!) حامية النظام وحامية القانون. وإلا فلماذا اعتقلتنا؟!
من كل العائلات كنا: غنايم، عثمان، ابو ريا، ابو يونس، طربيه، بشير... ولكن لجميعنا لونًا واحدا، الامر الذي جعل من "الحبسة" مناسبة لتوثيق اواصر علاقاتنا، ولترسيخ قناعاتنا. لقد تقاسمنا سرير النوم ذا الطابقين، لكن تسابقنا على من يقدم الطابق العلوي لزميله. وخرجنا أصلب عودا وأقسى مكسرا. ألسنا خريجي حبوس!!
ماذا فعل "الختيار الذي لم تمت اجياله"، هو ورفاقه في السجن عقب الانتفاضة الاولى منذ خمسين عاما وشهرين؟ كوّنوا خلية حزبية؟ هكذا فعلنا، مع ان عددنا كان بضع عشرات فقط.
في أحد الصباحات العكاوية الندية، جاءنا السجان، لم نكن بعد راغبين في التحرر من المعتقل! أبلغنا بان ضيفا هاما جاء يزورنا. وبان علينا ان نعد انفسنا للقائه. مَنْذا الذي يا ترى تذكرنا وجاء يزورنا؟ تساءلنا. حلقنا لحانا ولبسنا افضل ما لدينا. وفي الساعة المحدد اُخرجنا الى ساحة المعتقل، وإذا بنا وجها لوجه مع الرفيق توفيق طوبي. عانقناه وعانقنا. ثم "افتتح" الاجتماع ضابط الشرطة الذي رافقه قائلا: أترككم مع النائب طوبي لتكونوا احرارا فيما تودون ان تقولوه له. أجبناه بصوت واحد بل نحن معنيون ان تبقى وتسمع ما سنقول. بقي. و"دبكنا" بجهاز شرطته "دبكة أعمى بزاوية"، منتقدين سياسة الاعتقال الانتقائي. احتد الضابط كثيرا. اخرج من جيبه قائمة طويلة بأسماء اخرى للاعتقال! وكانت قائمة الضابط تضم جبهويين آخرين فقط، أوهمه (او لم يوهمه) انتسابهم الى عائلة بعينها. قلنا له: هؤلاء ايضا منا، "فانفنس" وغادرنا يتمتم.
في الايام التالية بدأوا باطلاق سراحنا على دفعات وبمجموعات صغيرة. لم اكن ضمن الدفعة الاولى، ولا الثانية. ادركت وأدركنا اللعبة، "سوف اكون آخر المفرج عنهم"، قلت لزملائي. لماذا؟ سألوا، لأنهم يريدون ان يقولوا لأمثالي: عائلات تتخابط وتتصارع على الزعامة، فما الذي يحشر انفك وانت "مقطوع من شجرة"؟ ها انت ترى ان كل عائلة تسعى بمختلف الطرق للافراج عن ابنها. اما أنت فسوف تبقى في المعتقل وحيدا مثل الـ...! ارادوا ان يقنعونا ان المسألة لا تعدو كونها صراعات عائلية لا أثر فيها للمبادئ والايديولوجيات. وفعلا كنت آخر من غادر المعتقل. لكني غادرته. لم يهمل التنظيم احدا، بل كان في استقبالي على شاطئ بحر عكا اثنان من القادة، "الختيار الذي لم تمت اجياله"، وماجد ابو يونس.
ونعود الى صاحبنا كارلوس ابن ابو كارلوس، البطل في نظر احد طرفي المعادلة، والارهابي في نظر الطرف الثاني. شأنه في ذلك شأن تشي جيفارا البوليفي، وسمير القنطار اللبناني، ومروان البرغوثي الفلسطيني، وأنور ياسين الشيوعي اللبناني اسمه الحقيقي ايليتش راميريز سانشيز، من مواليد سنة 1949 ومن عائلة ثرية. جاء الى لندن لدراسة اللغة الانجليزية، فاذا به يتقن سبع لغات، بينها اللغة العربية. بعد لندن انتقل الى موسكو، والتحق بجامعة "باتريس لومومبا (هل تعرفون من هو باتريس؟ هو الآخر باتريس ابن ابو باتريس!!").
ما الذي كان اذن ينقص هذا الشاب الفنزويلي؟ لا مال ولا علم ولا مستقبل. ومن الذي "دعس" على طرفه حتى ينخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟ لم يكن انخراطه من اجل ارسال اشرطة فيديو مصورة الى المسؤولين في الدكاكين "الثورية"، ليقبض المقابل عملة خضراء. كان انخراطه نابعة – "لقلة عقله" – من ايمانه بقضية التحرر. بالقضية العربية، بالقضية الفلسطينية. أنهى عدة دورات تدريب عسكري في فنزويلا وكوبا، وفي المخيمات الفلسطينية في الاردن. وفي ايلول الاسود، حين عبّر النظام الاردني عن "تكريمه" للاشقاء الفلسطينيين، بسحق مخيماتهم وأبنائهم وبناتهم، كان كارلوس يقاتل معهم. وحين تُوج "الانتصار" الاردني على الفصائل الفلسطينية قاطبة، بطردها الى لبنان، كان معهم، لم يترك عملية قتالية نضالية ضد الامبريالية والصهيونية، الا وكان ابرز من فيها تخطيطا وتنفيذا. من اقتحام مقر اجتماع وزراء البترول في اوبك المنعقد في فيينا سنة 1975، الى الاستيلاء على السفارة الفرنسية في لاهاي، الى اختطاف طائرة فرنسية الى عنتيبي في اوغند سنة 1976 الخ الخ...
وبسبب نشاطه الثوري الفلسطيني العربي هذا، كانت تلاحقه وتريد رأسه، لا متوجا بل مقطوعا، اكثر من جهة: الموساد الاسرائيلي، المخابرات البريطانية والالمانية والامريكية والفرنسية.. والعربية طبعا! وقد نجح الجهازات الاخيران في إلقاء القبض عليه بعد عشرين عاما من المطاردة. فزج به في السجن.
كانت "مكافأة" العرب لكارلوس مخزية. تعاونت الحكومة السودانية مع المخابرات الفرنسية، فتم "اختطافه" من السودان. باع حياته للقضية العربية فباعته الانظمة العربية بطبق من العدس!
ومنذ الرابع عشر من الشهر الثامن من سنة 1994، أي منذ اربعة عشر عاما، وهو يقبع في ظلمة سجنه الانفرادي الفرنسي.
لا أعلم كيف أثرت عليه الخيانة والمؤامرة والسجن، لكنني اعلن ان احدا لم يفطن بضمه الى قائمة التبادل الحالية بين حزب الله واسرائيل، فهل يفطن احد به في عملية تبادل قادمة؟
ربما!
وهل يكون ذلك بعد حرب "تتفلّت" اسرائيل على شنها على ايران (او على ايران وسوريا معا)؟
الله أعلم....

*ومضة*

كلما ازداد نباح كلاب الهزيمة العربية على الخطر الايراني على العالم، ازداد الاعجاب بالقافلة الايرانية!

يوسف فرح
السبت 12/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع