قضايا الأراضي في البلدات المعروفية من لها



المعطيات التي جاءت في دراسة المركز العربي للتخطيط البديل  حول ضائقة الأراضي في البلدات العربية الدرزية لم تفاجئ أحدا، بل جاءت لتؤكّد على حقائق معروفة أن الدولة بنهجها الحالي لا تريد لنا الخير ولا هي جادة بكل ما تدعيه حول مسعاها من أجل مساواتنا بباقي مواطني الدولة، لكنها تؤكد أن وضع هذه البلدات هو الأسوأ في البلاد.
لذلك عندما نقول أن قضيه الأرض ومناطق نفوذ بلداتنا العربية ستكون العنوان الرئيسي لنضال الجماهير العربية في العقدين القادمين، نقول ذلك لعلمنا أن هذه الجماهير ستكون من أحوج القطاعات السكانية للأرض. فعدد السكان العرب الذي يتعدى اليوم المليون ومائتي ألف نسمه سيتضاعف في العام 2030 والرقعة الجغرافية للمواطن العربي ستتقلص إلى حوالي ألـ 350م فقط. وهناك قرى عربية كثيرة لا تملك اليوم احتياطي  أرض حتى للسكن؛ وتقع هذه القرى تحت رحمة دائرة أراضي إسرائيل في السعي للحصول على بعض الدونمات تضاف إلى مسطح البناء في قراها .
لا شك أن مصادرة الأراضي العربية بشكل مباشر، كما فعلت الحكومة حتى سنوات السبعين من القرن الماضي، قد تقلصت بشكل كبير في العقدين الأخيرين. لذلك لجأت الحكومة إلى استعمال تخطيط الحيز من أجل تضييق الخناق على بلداتنا العربية. فالتخطيط أللوائي والقطري يتم بمعزل عن الجماهير العربية وتأثيرها واحتياجاتها. وفي السنوات الأخيرة هناك محاولة لفرض تخطيط هيكلي للبلدات العربية لا يتماشى أبدا مع احتياجات بلداتنا للنمو والتطور سكانيا واقتصاديا وعمرانيا بل على نحو يتناقض مع مصالح مواطنيها وعلى حساب فرصهم في المستقبل. هذه الخرائط وبسبب الخلاف بين وزارة الداخلية ومؤسسات التخطيط الإسرائيلية من جهة وبين السلطات المحلية العربية العالقة في مراحلها التخطيطية الأخيرة. غالبية هذه الخرائط الهيكلية تحد من تطوير البلدات العربية ولا تضع  الحلول البديلة المطلوبة على الأمد البعيد.
 لقد استعملت حكومة إسرائيل في ألـ: 60 سنة الماضية المجالس الإقليمية اليهودية كوسيلة للسيطرة والمحافظة على " أراضي الدولة" وفي نفس الوقت منع التواصل الجغرافي بين قرانا العربية. فما زالت 80% من مساحه الدولة تقع في مناطق نفوذ المجالس الإقليمية اليهودية مع العلم أن سكانها لا يتعدون ألـ: 10% من سكان الدولة. بالمقابل، فان مجموع مناطق نفوذ بلداتنا العربية ؛ حيث يسكن غالبيه المواطنين العرب في البلاد (18% تقريبا من تعداد السكان ) فلا تتعدى ألـ: 2,5% من مساحة الدولة .

 

 


في العقد الأخير تستعمل السلطة الإسرائيلية وجهاز التخطيط الإسرائيلي ممثلا في المجلس القطري للتخطيط واللجان اللوائية والمحلية قضية الخرائط الهيكلية واستعمال الأراضي داخل مناطق نفوذ بلداتنا لتضييق الخناق عليها وعرقلة تطورها. هذا ما أجمع عليه في اليوم الدراسي الذي بادر إليه المركز العربي للتخطيط البديل والجمعية من أجل دعم الديمقراطية في الوسط العربي وخصص نقاشه للوضع في البلدات الدرزية.  وهذا ما أكد عليه، أيضا،  الرفيق غالب سيف في باكورة أعماله "حقيقة الحق" والذي يروي به قصة مجابهة بطولية للمواطنين في قرى يانوح - جت وعلى مدار سنوات طويلة من أجل تثبيت حقوقهم في أراضيهم، ويلقي الضوء على نشاط رفاقنا في لجنة المبادرة الدرزية والتحامهم بقضايا شعبهم. هذه القضايا التي أغفلناها أو تغاضينا عنها أحيانا، نحن أبناء الشعب الواحد، وكأن الحديث يدور عن طائفة تسكن في إحدى الدول المجاورة وليست جزءا منا ولحم من لحمنا.
لقد تعرضت البلدات المعروفية، ومنذ قيام الدولة، إلى كل وسائل وقوانين مصادرة الأراضي بالرغم من "حلف الدم" المزعوم والذي يروق للسلطة وبعض مَن يدور بفلكها من بني معروف التغني به. فقد تقلصت أراضي البلدات التاريخية من 325,000 دونم قبل قيام الدولة إلى 116,000 دونم فقط. ولم تكتف  السلطة بذلك بل تستغل التخطيط الهيكلي واستعمال الأراضي داخل مناطق نفوذ البلدات المعروفية لعرقلة تطويرها. فحسب معطيات المركز العربي للتخطيط البديل فان مسطح البناء والتطوير في هذه البلدات لا يتعدى ثلث مساحة مناطق نفوذها.
إن أهم الوسائل للسيطرة غير المباشرة على الأرض في هذه البلدات هو استعمال جزء كبير من مناطق نفوذها كمحميات طبيعية. غني عن القول أن المحميات الطبيعية تخضع لقوانين تخطيطية وبيئية صارمة. ولتوضيح الأمر فأن 77% من مساحة منطقة نفوذ الرامة، 74% من مساحة عين الأسد، و 50% من مناطق نفوذ كل من: يركا، بيت جن، يانوح، جت، ساجور، البقيعة هي محميات طبيعية. فماذا تبقى لتطوير هذه البلدات؟؟
لهذا يجب عدم القبول بتخطيط هيكلي يجعل من قرانا محميات طبيعية ومناطق مفتوحة ويقلص من إمكانية الأراضي المعدة للتطوير. نعم نحب الطبيعة ونحن جزءا منها لكن نريد تطوير قرانا، أيضا. فلا يعقل أن يكون مسطح البناء في بعض قرانا المعروفية أقل من مساحة مزرعة فردية لمواطن يهودي في البلاد.
أن عملية تغيير مناطق نفوذ السلطات المحلية في إسرائيل خاضعة في التالي لقرار سياسي يتخذه وزير الداخلية. هذه العملية تبدأ بإعلان سلطة محلية برغبتها توسيع منطقة نفوذها. حيث يقوم وزير الداخلية بالإعلان عن إقامة لجنة تقصي حقائق يرأسها أكاديمي وجل أعضائها موظفي دولة تقدم توصياتها له في نهاية عملها. الوزير غير ملزم بقبول هذه التوصيات. المتابع لعمل هذه اللجان وتوصيات الوزراء يلاحظ أن هؤلاء قد امتنعوا في أغلب الحالات عن المصادقة على توسيع مناطق نفوذ السلطات المحلية العربية. غني عن القول أن معظم وزراء الداخلية ومنذ قيام الدولة جاءوا من أحزاب اليمين والأحزاب المتدينة. وفي كثير من الأحيان يقع رئيس السلطة المحلية بين مطرقة وزير داخلية يلهث وراء جمع منتسبين جدد في بلداتنا للبرايمريز في حزبه وسندان موظف الداخلية الذي يتصرف في أغلب الأحيان كحاكم عسكري. لذلك من المهم العمل على تغيير النهج السائد وإخضاع عملية تغيير مناطق النفوذ لمقاييس مهنية تعتمد على معيار واحد وحيد وهو احتياجات البلدات التطويرية بعيدا عن الاعتبارات السياسية أو الحزبية التي قد تخدم حزبا أو شخصا لكنها بالضرورة لا تخدم عموم المواطنين.
.إزاء هذا الوضع من الصعب الحديث عن تطوير بلداتنا دون حسم موضوع الخرائط الهيكلية وتوسيع مناطق نفوذها أولا. مناطق نفوذ سلطاتنا المحلية بغالبيتها بقيت كما هي منذ أن تم ترسيمها في سنوات الخمسين والستين وفي بعض الحالات فقد قلصت.
للسلطات المحلية في العالم المتطور دور المبادر الاقتصادي (??? ?????)  إضافة إلى أدوارها الأخرى الاجتماعية والخدماتية . لا تستطيع بلداتنا العربية المعروفية أن تتطور اقتصاديا وان تنافس محليا ما دامت لم تعط الفرصة لنقطه انطلاق متساوية مع السلطات المحلية اليهودية.  نقطه الانطلاق هذه  مرهونة أولا، بضم أراضي دولة لمناطق نفوذ بلداتنا ومعاملتها أسوة بالسلطات المحلية اليهودية وإعطاء بلداتنا مكانة "مناطق أفضلية"، وثانيا، بتخطيط هيكلي يتجاوب بالأساس، مع حاجات البلدات المعروفية ورخاء مواطنيها.
في كثير من دول العالم وخاصة الدول ثنائية القومية أو متعددة القوميات تستعمل الحكومات المركزية السلطات المحلية كأداة للتفضيل المصحح ومساواة الأقليات. أما في إسرائيل فالوضع معاكس تماما حيث تعمق الحكومة المركزية تدخلها في السلطات المحلية وخاصة العربية بينها: تطيح برؤساء، مثلما حدث في أبو سنان، وتحل سلطات محلية مثل، يركا، وتدمج أخرى، مثل عسفيا ودالية الكرمل، وتعيّن محاسبا مرافقا في مجالس أخرى وما إلى ذلك. في نفس الوقت تقوم السلطة بتقليص الميزانيات، أو بكلمات أخرى إعطاء السلطات المحلية مسؤوليات أخرى وفي نفس الوقت أضعاف قوتها على العمل.
الوضع في البلدات المعروفية على فوهة بركان. قضايا هذه البلدات هي قضايانا جميعا. هل تعقد لجنة المتابعة اجتماعا لدراسة الوضع في هذه البلدات والخروج بتوصيات من شأنها إعادة اللحمة إلى أبناء الشعب الواحد؟ ألم يحن الوقت للاعتراف بتقصيرنا نحن اتجاه الطائفة الدرزية ونحاول تصحيح المسار أم إننا سنستمر بتبني مقولات مثل "الوضع حساس" أو "هم لا يريدوننا"؟ هناك قيادة سياسية درزية ربطت مصيرها في المؤسسة الصهيونية ولكنها لا تمثل المعروفيين ولا طموحاتهم . غني عن القول أن هناك قيادات انتهازية مثيلة عند كل الطوائف. هل ننتظر تأشيرة دخول إلى هذه البلدات؟؟ باعتقادي إننا بحاجة لخطاب جديد يزيد من تعاضد الشعب الواحد على كل طوائفه. البلدات المعروفية تناديكم فهل لبيتم النداء؟


(الكاتب محاضر في جامعة بن غوريون في النقب )

د. ثابت ابو راس *
الأربعاء 16/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع