اسرائيل "مسبحة وانفرطت"، وزعماؤها هم اعداؤها



يحسب البعض ان الوزراء ورؤساء الوزراء والزعماء يملكون عقلا من نوع آخر، وتميل العامة الى خلق هالة حول رؤوس هؤلاء الزعماء.
والحقيقة، انه كلما كبر المنصب يكبر الأنا الشخصي للانسان وليس عقله هو الذي يكبر. ونبدأ ذلك من الحدث الاخير، التبادل بين حزب الله واسرائيل. قبل سنتين فقط شنت اسرائيل حربا مجنونة على لبنان، قتلت، دمرت وزرعت مئات آلاف القنابل التي ستظل تحصد ضحايا حتى اشعار آخر، واسرائيل نفسها تعرضت الى اقسى ضربات في الجبهة الداخلية. وكان موت، وكان دمار، وكان فقدان الثقة بالنفس.
وماذا كسبت اسرائيل من كل هذا؟! لا شيء، نفس صفقة التبادل جارية الآن على نفس الشروط التي كانت قبل الحرب، اين عقول الوزراء والزعماء؟ ام انهم لم يفكروا بعقولهم، فكروا فقط بأمجاد انانية تجعلهم ابطالا ويسجل التاريخ اسماءهم بماء الذهب، فسجلوا هزيمة، وكتبت اسماؤهم بالحبر الاسود، لأن الانانية وحب الشهرة وعشق السلطة تجتمع كلها فتحرف العقل عن المنطق.
وامعانا في صرف العقل عن المنطق، يندم الاسرائيليون كثيرا على انسحابهم من لبنان سنة 2000 زعما منهم بان حزب الله لم يتمكن من بلوغ هذه القوة العسكرية لو كان جنوب لبنان تحت الاحتلال. يفكرون بهذا الشكل وينسون ان اسرائيل نفسها هي التي اعطت الشرعية لتعاظم قوة حزب الله، وهي التي اسست له مصداقية المقاومة، لأن المنطق يقول بانه كان على اسرائيل ان تنظف الطاولة تماما مع لبنان، فتسلم الاسرى والجثث التي لديها وتسلم مزارع شبعا للامم المتحدة حتى يحسم امرها، أهي لسوريا ام للبنان، اسرائيل انسحبت وهو الشيء الهام والاساسي، وابقت ملفين صغيرين كان لهما الاثر الاول والاخير في استمرارية السلاح بيد حزب الله، فلو نظفت اسرائيل الطاولة مع لبنان سنة 2000 لكان حزب الله اليوم حزبا سياسيا بغير سلاح، لأن الشعب اللبناني لن يرضى اطلاقا بأي حزب وامتلاك جيش بذريعة مقاومة اسرائيل.
وقد يقول احد الآن، ها قد نظفت الطاولة، فأية شرعية بقيت لحزب الله، نعم، الآن ورغم تنظيف الطاولة فالشرعية باقية وذلك بسبب الاحداث التي ما بعد 2000، اعداء الداخل اللبناني واعداء الخارج وليست اسرائيل هي الوحيدة، وما اكثر الدول العربية المتربصة بحزب الله!!
ارأيتم هذه الهالة حول ادمغة الزعامات، وكم هي ظلال وهم في عيون العامة، ان لحظة التبادل بين اسرائيل وحزب الله، كانت لو كان العامة يحترمون عقولهم او يجب ان تكون شرارة غضب جماهيري عارم في الشارع الاسرائيلي على قيادته ليس للعملية بذاتها، بل للثمن الذي دفعه الشعب لأن قيادته حمقاء، وما زالت نفس القيادات الغبية تتنافس على زعامة الشعب!!
ومنطق زعماء اسرائيل ما زال خارج سياق المنطق. فهم و"بذكائهم" الخارق في الزمن الاخير، عزلوا غزة عن الضفة، وماذا جنوا، اصبحوا يفاوضون طرفين، وكل طرف فلسطيني يرفع سقف مطالبه في سبيل المزايدة، فهل هذا ربح اسرائيلي؟ وزعماء اسرائيل "الاذكياء" جدا، فتحوا مسار التفاوض مع سوريا لطف الماء والهواء والكلام، لماذا يفعلون ذلك؟ "ذكاؤهم" يقول، ان المسار السوري يجعل الفلسطينيين تحت ضغط، خشية الذي يزيد في هذه الصناعة هو تعامل اسرائيل مع اصدقائها العرب، مع الذين عقدت سلاما معهم، فالاردن مثلا مياهه من اسرائيل، لأن اسرائيل حجزت كل مصادر نهر الاردن في بحيرة طبريا، وتعطف على الاردن بما يسمح لها كرمها، تصوروا مثلا ان تحجز اثيوبيا مياه النيل كلها، وتفاوض مصر والسودان على ما ستتكرم به لهما من مياه؟! والاردن غير قادرة على تحرير الاسرى الاردنيين في سجون اسرائيل!"
ومصر، هذا الجسم العربي الضخم الذي كان وزنه السياسي يهز الدنيا، هذا الكيان الذي مد افريقيا وامريكا الجنوبية والعالم العربي والاسلامي باوكسجين التحرر ومقاومة الاستعمار.. هذا الجسم اصبح هلاميا، اصبح اقل من وزن الريشة في الموازين الدولية بعيد سلامه مع اسرائيل. لقد حقّرت اسرائيل مصر بمناسبة وغير مناسبة ونسيت اسرائيل ما فعلته مصر لفرض حلول على ياسر عرفات.. اسرائيل لا تتصور حجم الغضب العربي والمصري خاصة من انشغال مصر بقضية الجندي الاسير عند حماس، جلعاد شليط، تركت مصر كل قضايا العرب ولا هم لها الا اطلاق سراح جلعاد شليط..
تبحث القوة الاسرائيلية عن عدو جديد تمارس مفهومها المتحجر.. الوجهة الآن ايران، رغم ان الرئيس الايراني احمدي نجاد ليس اكثر تعقلا من زعماء اسرائيل، وأريد ان افهم، ألم يتعلم زعماء اسرائيل شيئا من تجارب الماضي؟! أليس حزب الله نموذجا صغيرا لايران؟ كيف يفكر اذًا زعماء اسرائيل بشن حرب على ايران وهم، هم الذين اخفقوا مع الخزي في حربهم على النموذج الصغير لايران؟!! لكن المفهوم الاسرائيلي المقلوب يقول، هل نترك ايران حتى تحصل على قنبلة نووية؟! هذا المفهوم المقلوب وباتجاه واحد هو كارثة زعماء اسرائيل، لماذا؟ لأن التفكير المنطقي يقول، بأن تقبل اسرائيل مشروع السلام العربي، وعندها، لن يهددها احد، لن يبقى في البنادق رصاصات، ولا في المدافع بارود، ولن تزايد ايران على العرب..
لكن اسرائيل تماحك، تماطل، ولا تقف عند لحظة من حساب منطقي لتقول لنفسها، ما هذا؟ الا نظهر بعض الاحترام لهذه الدولة العربية الكبرى التي تمنت خروجها من قائمة الاعداء؟! لا، لا يفكرون بذلك، لهذا، فان الشارع العربي في كل عاصمة عربية وفي كل بيت وحارة يترسخ في ذهنه يوما بعد يوم مفهوم ان اسرائيل لا تفهم الا لغة القوة.
زعماء اسرائيل ابطال الغباء السياسي، والشعب الذي ينتخبهم يستحق كل لقب يشاء الا لقب شعب الله المختار. أي زعيم عربي سيرغب بالسلام مع اسرائيل بعد ان شاهد الذل الذي بلغه زعماء العرب الذين صالحوا اسرائيل او هادنوها سرا؟! ماذا سيكسب بشار الاسد لو عقد صلحا مع اسرائيل؟ هل يكسب الجولان ليخسر العرب؟ هل يكسب سفارة اسرائيلية وسفارات لا حصر لها للقاعدة والمعارضين؟! مصر اليوم اكثر جوعا وفقرا مما كانت عليه قبل السلام مع اسرائيل، رغم ان الاثرياء المصريين ازدادوا عددا.. والدول العربية اليوم اكثر فرقة عما كانت عليه قبل دخول بعضها معاهدات سلام مع اسرائيل.
ماذا تجني اية دولة عربية من سلام مع اسرائيل؟ هذا هو السؤال الذي يجب ان يتداوله زعماء العرب. والسؤال الاكبر، ماذا تجني اسرائيل من استمرار عنادها في فكر القوة المتحجر؟! لدى العرب صبر الجمال، لديهم السكان والتكاثر والارض والنفط والتقشف، وماذا يملك الاسرائيلي؟ يملك ارضا طولها وعرضها باع، يملك رفاهية ومكيّفا هوائيا وبركة سباحة وبيتا وان توقف مكيفه الهوائي اسبوعا يحمل حقائبه ويرحل الى اوروبا او الى خلف الاطلسي.
ان تعقد سوريا سلاما مع اسرائيل، ويبقى الفلسطينيون ايتاما او غرباء في بلاد متصالحة مع اسرائيل. ولن يبقى للفلسطينيين عندها الا قبول الشروط الاسرائيلية بكاملها، اما الذي حدث، بان اوروبا شرعت بفتح ابوابها على سوريا دون ان تغير حرفا واحدا في قواميسها.
وزعماء اسرائيل حرّضوا البيت الابيض الذي لا يحتاج الى تحريض اصلا لازاحة صدام حسين، لماذا؟ ليس خوفا من صدام حسين، بل انتقاما على ضربة العمو الاسرائيلي، فماذا حصدوا؟ حصدوا عراقا بنكهة ايرانية، حصدوا مواقع ايرانية متقدمة كثيرا نحو الغرب، اقصد على بعد من اسرائيل هو الاردن!!
زعماء اسرائيل "عقلاء جدا"، والعقل عندهم هو العناد والعنجهية، عاشوا على فكر ان العرب لا يفهمون الا لغة القوة، حتى وصل العرب الى نفس القناعة، بان الذي يتعامل معك بالقوة يجب ان تتعامل معه بنفس المنطق والا خسرت كل شيء، والعرب اليوم، كلهم او كلهم بالتقريب، ويرددون قول الزعيم الخالد عبد الناصر "ما اُخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة". والذي يزيد العرب قناعة بان التفاوض مع اسرائيل مثل الزنى بالكلام، وان اسرائيل تفهم لغة القوة فقط.
لقد اطلت عليكم كثيرا، وارغب لو ازيد، لكن، تعالوا لنحاول انهاء الموضوع او نلخصه بان زعماء اسرائيل يلعبون ليس بالنار فقط، بل يلعبون بالنار التي قد تحرق شعبهم، ويفكرون بالضبط بما استقوه من حروب اسرائيل التوراتية.. ففي يهوشع بن نون الذي دمر اريحا واباد اهلها ولم يرحم الا الزانية التي خانت شعبها، في اله اسرائيل الذي اوقف الشمس لشعبه المختار حتى يكمل ابادته للعدو الذي لا اعرف من خلقه، في شمشون البطل اليهودي الذي قال عليّ وعلى اعدائي.. وفي هذا السياق، لماذا لا يكون حسب هذا المفهوم ان كل انتحاري فلسطيني هو شمشون الذي يصرخ، علي وعلى اعدائي؟!
فكر القوة المتحجر الاسرائيلي اعلن افلاسه، الفكر الصهيوني مفلس منذ لحظة التخصيب، والمسبحة الاسرائيلية ذات الـ 99 قطعة قد اهترأ خيطها.. تناثرت حباتها.. واسرائيل، لن تكون كما كانت، فهل يغير قادتها من منطقهم لانقاذ ما يمكن انقاذه؟؟ لا اعتقد ذلك.

غازي ابو ريا
السبت 19/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع