اسرائيل تهادن هنية وتضرب فياض



 في عام 2005 بعد وفاة ابو عمار وتولي ابو مازن رئاسة المنظمة والسلطة, طلب منه الاميركيون اجراء الانتخابات التشريعية في فلسطين, فحاول ان يتهرب, لان اوضاع حركة فتح الداخلية كانت غير مهيأة وغير موحدة, ولكنهم اصروا عليه لان الادارة الاميركية تريد ان تبعث الروح في مشروع الشرق الاوسط الجديد, وتريد ان تقول انها مع الديمقراطية وصناديق الاقتراع كوسيلة للوصول الى الحكم وسلطة اتخاذ القرار, فأرادت ان تسوق نفسها للعالم انها صاحبة الديمقراطية عبر العراق وفلسطين.

 

واستغل ابو مازن الالحاح الاميركي فوضع عقبتين لتعطيل الانتخابات وتأجيلها على امل ان الاسرائيليين لن يقبلوا بشروط الرئيس الفلسطيني, فوضع الشرط الاول بمشاركة حركة حماس في الانتخابات اسوة بباقي الفصائل فوافق الاميركيون على ذلك ورحبوا، ووضع الشرط الثاني الاصعب وهو مشاركة اهل القدس في الانتخابات اسوة بما حصل عام 2006 فوافق الاميركيون وارغموا الاسرائيليين على قبول الشرطين, خاصة وان بوش قد سبق له وان قدم لشارون ورقة الضمانات الاميركية في 14/نيسان/2004 تستثني القدس من الانسحاب الاسرائيلي والتعامل معها، وكأنها مدينة اسرائيلية محررة, حيث لا عودة لحدود الهدنة عام 1967، اي خط الرابع من حزيران 1967 قبل احتلال الضفة والقدس والقطاع, في الخامس من حزيران 67.

 

اتذكر ذلك, ونحن نشاهد الاجراءات والعسف الاسرائيلي بحق مدينة نابلس التي نجحت فيها حكومة سلام فياض في توفير الأمن لأهلها وازاحة الفوضى والفلتان الامني من شوارعها, وقدمتها كنموذج لنجاح الأمن الفلسطيني المنشود بإرادة سياسية من قبل أهل المدينة والقوة السياسية الفاعلة فيها وقرار اداري واجراءات موفقة من قبل الاجهزة, فداهمتها قوات الاحتلال, وانهكت اهلها ودمّرت عدداً من مؤسساتهم وصادرت بعض حقوقهم واغلقت جزءاً من مشاريعهم الحيوية، بما فيها اسواق تجارية, لهدف واضح لعين المراقب وهو ايذاء حكومة سلام فياض واحراجها وجعلها اضحوكة امام شعبها لا حول لها ولا قوة, وكأن اجهزتها مطية للاحتلال تمهد له الاجتياح وتعينه على ضرب قوى المقاومة.

هذه هي الصورة الساذجة التي تسعى اجهزة الاحتلال ومؤسساته الاستخبارية ايصالها للشعب الفلسطيني, المس والايذاء المتعمد لحكومة سلام فياض وللرئيس الفلسطيني وخياراته السياسية.

 

اسرائيل تسعى وتهدف الى تحطيم خيارات التسوية لدى الرئيس ابو مازن وحركة فتح وشخص رئيس الوزراء سلام فياض, لأن سلوك ابو مازن وحكومته سلوك متحضر عصري يسعى لتعميق المفاهيم الكفاحية ذات النمط المدني, والتعددي, والتمسك الحازم بحقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بقرارات الامم المتحدة 181 و 194 و 242 و 1515 وتطبيقها ودفع استحقاقاتها من الجشع والطمع الاستعماري الاسرائيلي التوسعي وتطويقه وتعريته امام المجتمع الدولي, وهو منطق وسلوك وسياسة فلسطينية محرجة لاسرائيل وتكسب الفلسطينيين, وبذلك تسعى اسرائيل لتدمير هذه السياسة ووقفها وجعل التطرف والتشنج والارهاب هو عنوان فلسطين وشعبها وقواه السياسية.

 

اراد الاميركيون الانتخابات وارغموا ابو مازن عليها وجعلوا الاسرائيليين يقبلون بها. وعندما جرت الانتخابات بنزاهة وشفافية وفازت حماس وحققت الاغلبية واحترمت حركة فتح وابو مازن نتائجها, رفضت واشنطن وتل ابيب نتائجها وفرضتا المقاطعة السياسية والمالية على حكومة حماس التي جاءت وتشكلت نتيجة صناديق الاقتراع والديمقراطية ومبدأ تداول السلطة.

 

ولما أقال ابو مازن حكومة اسماعيل هنية بسبب الانقلاب والحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس وقوتها التنفيذية وكتائب القسام، وكلّف النائب سلام فياض بتشكيل الحكومة التي نجحت بفك الحصارين المالي والسياسي عن الشعب الفلسطيني وعن منظمة التحرير وسلطتها الوطنية ووضعت برنامجاً امنياً لتخليص المجتمع المدني في الضفة الفلسطينية من الفوضى والفلتان الامني, رحّبت اميركا واسرائيل. ولما نفذت برنامجها بنجاح في نابلس, عملت اسرائيل مباشرة على احباطه وقتله باجتياح نابلس، وكأن حكومة سلام فياض نظفت نابلس ووفرت الارضية الامنية للاسرائيليين لاجتياحها وتخريب حالة الامن والاستقرار فيها وايذاء سكانها واهلها ودفع قواهم السياسية وخاصة المسلحة منها لاتخاذ ردود فعل مقاومة عبر استخدام السلاح والعودة المتبادلة, وهو خيار تستفيد منه اسرائيل بسبب تفوقها, لان القوى الفلسطينية المسلحة محدودة وامكاناتها متواضعة باستثناء بسالة المقاومين واستعدادهم العالي للتضحية.

 

النشاط المدني المقاوم للاحتلال احراج للاسرائيليين لان العالم يتعاطف مع ضحية الظلم والاحتلال ويرفض الاستعمار ومنطقه ووسائله, ولذلك تسعى اسرائيل لانهاء خيارات الفلسطينيين في الاعتماد على الانتفاضة المدنية, ودفعهم نحو التطرف وجعل عنوانهم الارهاب والمس بالمدنيين الاسرائيليين رداً على المس بالمدنيين الفلسطينيين.

 

اسرائيل لا تستجيب لسياسة ابو مازن, وتعادي مواقف سلام فياض, لأنهما يسببان لها الحرج ويكشفان دوافعها الاستعمارية, فهي لا تريد السلام كما يقول عبدالاله الخطيب وزير خارجيتنا السابق، وهو المدقق المجرب معهم، ولكنها تريد العملية السلمية لتستعملها كغطاء لسياستها التوسعية الاحتلالية الاستيطانية, ولذلك هي ليس فقط لا تستجيب ولا تنفذ خطوات خريطة الطريق بل تعمل على تقويضها، وتدميرها، وهذا ما فعلته من خلال المهادنة مع حكومة اسماعيل هنية، وتدمير ما تحاول ان تفعله حكومة سلام فياض.

hamadehfaraneh@yahoo.com

حماده فراعنة
الخميس 24/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع