لبنان: الرئيس سليمان يرفض استدراجه إلى "اشتباك" داخلي ومع سوريا



السفير - أراد اللبنانيون من هذه الحكومة أن تكون هيكلا سياسيا فوقيا، لا أكثر ولا أقل، حتى يتمكنوا من تمرير يومياتهم، لعلهم ينعمون بربيع جزئي في الشهور المقبلة يسبق الانتخابات النيابية الموعودة... تزامن ذلك مع اللحظة السياسية التي يواصل فيها اللبنانيون والعرب والمسلمون، اقامة أعراس الفرح بالافراج الالزامي من جانب الحكومة الاسرائيلية عن الأسرى اللبنانيين الخمسة وجثامين الشهداء المقاومين، وكذلك مع استعداد اسرائيل لاطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين قبل السادس عشر من آب.
في هذه الأثناء، تدور في الساحة السياسية اللبنانية لعبة قديمة جديدة يراد منها اشعال الفتنة مجددا تحت شعار الدفاع عن القرارات الدولية في وجه المقاومة وسلاحها.
لم يكن المناخ السياسي بعد اتفاق الدوحة يشي بما طرح فجأة في الجلسة الأولى للجنة البيان الوزاري في السرايا الكبيرة. اذ أن البحث الدائر حتى الآن، يحتمل منطق »الثأر المؤجل« أكثر مما هو بحث عن صيغة تلاقي الحد الأدنى الضروري من التفاهم السياسي بين القوى السياسية الأساسية.
فالرئيس فؤاد السنيورة الذي قال بعد »الدوحة« وقبل »التكليف« وبعده كلاما واضحا انتقد فيه »تراخي« الحلفاء، داعيا الى المواجهة تحت عنوان رفض »سطري المقاومة« اللذين وردا في البيان الوزاري السابق... عاد ليضيف أنه »سيمشي فقط في القرار ١٧٠١ في كل نقطة وحرف وفاصلة وردت فيه مهما كلف ذلك... وأي شيء خارج القرارات الدولية سيكون مستحيلا«!
يماشي الرئيس السنيورة في هذه السياسة قرار من الادارة الأميركية بـ»الثأر المؤجل« تحت عنوان »أن أفضل تعويض عن الانتكاسة التي مُني بها فريق الرابع عشر من آذار، في بيروت، بعد السابع من أيار، تتمثل في عودة المواجهة السياسية حتى الآن، مع سلاح المقاومة«.
حاول رئيس الحكومة الدخول الى هذه المواجهة عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وممثله في الشرق الأوسط تيري رود لارسن الذي وضع على طاولة مجلس الأمن الدولي مسألة نشر قوات دولية على الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، في انتظار حسم مسألة الترسيم السوري اللبناني للحدود بين البلدين.
لم تحقق هذه المحاولة أية نتيجة في مجلس الأمن بعد فشل جهود وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس في القدس المحتلة وخاصة عندما اصر الاسرائيليون بأن هذه المنطقة جزء من المفاوضات السورية الاسرائيلية وأي تعديل في مسارها يستوجب تفاوضا لبنانيا اسرائيليا مباشرا رفضته الحكومة اللبنانية. لذلك قرر الرئيس السنيورة، في اللحظة التي كلف بها في رئاسة الحكومة، أن ينقل مساعيه من الخارج الى داخل مجلس الوزراء الجديد، وهو منطق يؤسس لفتنة تلغي اتفاق الدوحة ويتجاوز الموافقة المعلنة التي أعطاها رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري الى الرئيس نبيه بري في أكثر من لقاء حول اعتماد النص السابق للبيان الوزاري في ما يخص المقاومة، وهو ما تعهد به أيضا رئيس »اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط.
لماذا يريد الرئيس السنيورة الغاء مفاعيل الهدنة السياسية التي حققها اتفاق الدوحة برعاية اقليمية ودولية؟
في هذا السياق، من المفيد مراجعة المراسلات التي جرت بين »الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار« وبين الادارة الأميركية التي حلّ عليها السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان الذي يتولى التنسيق في أفكاره واقتراحاته مع أليوت أبرامز (نائب رئيس مجلس الأمن القومي) والأخذ في الاعتبار »النجاحات الكبيرة« التي حققها هذا التنسيق، وأوصل فريق الموالاة الى القبول بكل ما رفضه بداية ثم التزم تنفيذه في السنوات الثلاث الأخيرة!
وقد أكدت السفيرة الأميركية ميشال سيسون في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، على هذه السياسة وأعربت عن اعتقادها »بأن الحل الدبلوماسي لمزارع شبعا سوف يكون له اثر عبر تقويض ما يسمى مقاومة حزب الله ويعقّد جهود الحزب في الابقاء على دولة مسلحة داخل الدولة« مشيرة الى ان الحل المثالي لشبعا »هو ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا«.
الفارق أن الخطاب السياسي الجديد لقوى الموالاة، يعتمد صياغة ترتبط بالانتخابات النيابية في العام ،٢٠٠٩ وهو ما بات يتكرر يوميا على لسان جزء من فريق الرابع عشر من آذار حول »استحالة التعايش بين سلاح المقاومة والدولة«... وأنه »لن تكون هناك انتخابات نــيابية في العام ٢٠٠٩ اذا لم يخرج سلاح »حزب الله« من المعادلة الداخلية نهائيا«، وهو المنــطق الذي كان أول من أعلنه، مستشار الــنائب الحريري، الدكتور غطاس خوري، في بدايــة البحث حول تكليف الرئيس السنــيورة برئاسـة مجلس الوزراء...
ولمن يريد الاستزادة، عليه أن يراجع ما تضمنته ورقة »الأمين العام« فارس سعيد في ورشة البريستول، أمس الأول، التي جاءت »استكمالا لورشة البيال« قبل أربعة شهور... وكأن ما حصل في البلاد في هذه الفترة الفاصلة، وخاصة بعد »القرارين الأسودين«(»الاتصالات« و»المطار«) وأحداث السابع من ايار، انما يؤكد »صوابية وسلامة هذه السياسة«!!!
كان النص جاهزا. ٨ صفحات »فولسكاب«... مع مقدمة تتناول »علاقة الدولة بالمقاومة«، واشكالية سلاح »حزب الله« وصولا الى القول على الطاولة أنه بعد السابع من ايار »لم يعد سلاحا مقاوما« وبالتالي، ما كان ينطبق عليه في البيان الوزاري لحكومة السنيورة الأولى، لم يعد ينطبق عليه في »حكومته الثانية«، لكن اصرار المعارضة، وتحديدا ممثل المقاومة في اللجنة الوزير محمد فنيش على النص القديم، ولو مع بعض »التحديث« جعل فريق الموالاة »ينادي« بترحيل الموضوع بأسره الى هيئة الحوار الوطني... »ولاحقا يتبنى مجلس الوزراء ما تتبناه هيئة الحوار مجتمعة برئاسة رئيس الجمهورية وبحضور الجامعة العربية، طالما أن الحوار سيكون محصورا بالاستراتيجية الدفاعية«.
وهكذا انتهت الجلسة السابعة، كما انتهت الجلسة الأولى، للجنة صياغة البيان الوزاري، مع بروز ملامح فتنة حقيقية، اذ أن ممثلي فريق المعارضة، لم يجدوا سبيلا لوقف جموح فريق الرئيس السنيورة، الا عبر دفع المنطق الآخر الى نهايته، وهو المطالبة بـ»الزمالة في الترحيل« الى هيئة الحوار الوطني، بين المحكمة الدولية وسلاح المقاومة، وهو الأمر الذي جعل الرئيس السنيورة يعيد التذكير بأن هيئة الحوار بتت موضوع المحكمة، وكان جواب المعارضة أن الموافقــة في هيـئة الحوار كانت مبدئية أما التفــاصيل فهي موضـع مناقشـة هادئــة وموضـوعية بعـيدا عن التسـييس ومنـطق الثـأر مـن دون أدلة.
وقد حاول السنيورة أن يستنجد بالنائب وليد جنبلاط لدعم موقفه في اللجنة، فوجد أن الأخير متضامن مع النائب الحريري على أن الاستقرار الوطني للبنانيين يتقدم على كل الخلافات المطروحة على طاولة لجنة البيان الوزاري، ولكن هذا لم يمنع النائب جنبلاط من التأكيد على أن الأولوية بالنسبة الى موقفه السياسي هي العلاقات اللبنانية السورية، تفاهما أو مواجهة، وهو ما طرحه ممثله في اللجنة الوزير وائل ابو فاعور، بمطالبته بتقدم ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وحسم قضية القواعد الفلسطينية الحدودية، وهو ما كان قد تعهد بمعالجته بالحوار الأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله في هيئة الحوار التي عقـدت في مجلس النواب في العام ٢٠٠٦ برئاسة الرئيس نبيه بري.
أما العنصر الآخر، الجدي المستجد، فهو موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي لا يوافق على ما يريده الرئيس السنيورة من البيان الوزاري، وهو ما ظهر واضحا على لسانه، أولا في زيارته الى باريس، وثانيا، في مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيروت، عندما استقبل الأسرى وجثامين الشهداء بخطاب سياسي قال فيه ان من حق لبنان استرجاع ما تبقى من أرضه المحتلة »بكل الوسائل المتاحة والمشروعة« وأن »مفعول التحرير لا يكتمل اذا ظلت إسرائيل تحتل أرضنا بالألغام والقنابل العنقودية. والخطر، كل الخطر، من ألغام من نوع آخر تحاول إسرائيل زرعها عبر الفتنة في الداخل«.
لذلك لن تلغى زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى دمشق، وسيتم الاتفاق على صيغة البيان الوزاري، في اللحظة الأخيرة كما حصل في تشكيل الحكومة الجديدة تنفيذا لاتفاق الدوحة، مع ما تعنيه كلفة الوقت الضائع بترك البلد مشرعا على احتمالات حذر منها الرئيس نبيه بري في مجالسه الخاصة والعامة أكثر من مرة سائلا »هل من يسمع ويستدرك«؟
الأكيد أن اللجنة ستعقد اليوم اجتماعا ثامنا، قررت فيه الهروب من العناوين السياسية الخلافية، نحو البرنامج الاقتصادي والمالي والاجتماعي، تاركة للاتصالات السياسية وخاصة بين الرئيس بري والنائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط، ايجاد المخرج المناسب لاتمام الزيارة الأولى للرئيس ميشال سليمان الى دمشق، حاملا معه اتفاق اللبنانيين على نص البيان الوزاري الجديد، ليصبح السؤال التالي، ماذا سيحصد في المقابل، من الجانب السوري، في موضوع العلاقات الدبلوماسية وترسيم الحدود والاتفاقيات الثنائية، فيما تقول مصادر لبنانية واسعة الاطلاع أن الرئيس سليمان ينتظر من القيادة السورية المساعدة الشفافة على اقفال ملف المفقودين اللبنانيين في سجون سوريا.

الجمعة 25/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع