مصيبة الغير..



* واجب القيادة الوطنية ليس فقط أن تواجه العدو الخارجي، واجبها هو أن تجعل حياة الناس معقولة، من خلال برنامج نضالي سليم ومتوازن، برنامج نضالي للتحرر وفي الوقت نفسه برنامج  يكفل الخبز والعلم والعمل والتطور، لأن كل تعزيز في قدرة الجماهير يقصر المسار للتحرر الوطني*

هذا الأسبوع، وبعد أكثر من أربعين عاما توصل الروس والصينيون إلى حل النزاع الحدودي بينهم، وبموجب الاتفاق ستُرجع روسيا للصين 174 كم مربع وهي جزيرة "يانولوغ" (باسمها الصيني) أي تراباروف (باسمها الروسي) وشبه جزيرة هيشازي (بولشوي اوسورييسكي باسمها الروسي)..
من الجدير بالذكر أن  النزاعات الحدودية بين روسيا والصين تعود إلى مئات السنين إلى الوراء، وقد نشبت خلالها نزاعات مسلحة في الأزمنة الغابرة وأيضا خلال الحرب الباردة بين الدولتين في العصر الحاضر.
بينما في كمبوديا وتايلاند فقد فشلت هذا الأسبوع المحادثات بين الطرفين، لإنهاء النزاع حول أحد المعابد.. ألمهم أن هذا النزاع يأتي في أجواء انتخابات في كمبوديا، ومن طبيعة الانتخابات، أن تفرز تأججا في التصريحات القومية، وخاصة عندما يجري الحديث عن مكان مقدس، وفي المقابل ففي تايلاند هنالك أزمة سياسية.. ومن طبيعة الأزمة أن يتم فيها زج المشاعر القومية والدينية.
وفي هذا السياق يجب التذكير هنا، أنه لم يتم، حتى الآن، توقيع اتفاق سلام بين روسيا واليابان، بعد أكثر من ستين عاما على انتهاء الحرب بينهما، بسبب النزاع الحدودي بين البلدين، فهنالك أربع جزر مختلف عليها في شمال اليابان: أوتوربو، كوناشيري، شكتوان وأبوماي. اليابان وقعت على إعلان الاستسلام في الحرب العالمية الثانية، لكنها رفضت، وما زالت، توقيع معاهدة السلام بدون حل قضية الجزر الأربع.
وبالطبع هنالك العشرات من الأمثلة حول النزاعات الحدودية في العالم، وحتى في منطقتنا.. فقد كان هنالك النزاع الحدودي بين إيران والعراق، الذي كان السبب (الرسمي على الأقل) للحرب بين البلدين في بداية الثمانينات، وما زال النزاع مستمرا بين دول لخليج وإيران حول عدد من الجزر..
ولا ننسى هنا جزيرة غوانتانامو الشهيرة التي قرر الأمريكيون، هكذا، أنها لهم وهناك ينفذون جرائمهم بحق السجناء السياسيين وأسرى الحرب. ويمكن الحديث هنا عن أسرى كوبيين محتجزين في السجون الأمريكية بتهم باطلة، وهدف سجنهم، كان في حينه الانتقام من فيدل كاسترو.. 
طبعا، هذا الحديث عن النزاعات الحدودية، إقليميا وعالميا، هو غريب عنا، فنحن نعيش في فقاعة مشاكلنا، وأحيانا يسود الاعتقاد، لدى البعض، أن كل العالم ماشي تمام التمام، وفقط عندنا الأمور متعثرة، ولذلك فإن الحديث عن مشاكل أخرى في العالم، هو أيضا من باب "اللي بشوف مصيبة غيرة بتهون عليه مصيبته".. حيث ندرك أن شعبنا لا يعاني وحده، وأنه لا يناضل وحده، فهنالك شعوب أخرى، أكبر عددا وأعظم قوة، ما زالت تعاني من إجحاف قي حقوقها..
والأمر الثاني من هذا الاستعراض العالمي المقتضب، هو أن هنالك مسار، أو سيرورة في النضال، وقد يستمر هذا المسار عشرات السنين من النضال والمقارعة والتوتر، وأحيانا نشهد نشوب النزاعات الدبلوماسية والتجارية ويصل الأمر حد النزاع المسلح، ولكن خلال هذا المسار النضالي تريد الشعوب أن تعيش وأن تنجب الأطفال وأن تعلمهم وأن تبني البيوت والمساكن وأن تقيم المصانع..لا يمكن أن يتم وضع الشعوب في مكان مغلق، في انتظار حل قضاياها العالقة.
كان على القيادة الكوبية أن تقرر، هل يجب الآن التوقف عن كل نشاط حياتي وتوجيه كل الجهود لمعركة تحرير غوانتانامو، أم أن ذلك يجب أن يجري من خلال توازن واضح يضمن استمرار الحياة والتطور في كوبا، مع النضال ضد العنجهية الأمريكية، مع الإدراك أن تطوير حياة الناس يصب في نهاية الأمر في صالح التحرير.
واجب القيادة الوطنية ليس فقط أن تواجه العدو الخارجي، واجبها هو أن تجعل حياة الناس معقولة، من خلال برنامج نضالي سليم ومتوازن، برنامج نضالي للتحرر وفي الوقت نفسه برنامج  يكفل الخبز والعلم والعمل والتطور، لأن كل تعزيز في قدرة الجماهير يقصر المسار للتحرر الوطني.

عودة بشارات
السبت 26/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع