الدعم الأسري والخروج من الأزمة



* إن الدعم الأسري عامل مساعد في تخطي عقبات كثيرة لدى النساء اللواتي تعرضن للعنف فهو الطريق التي فتحت عيونهن ومدت لهن يد المساعدة بعد أن فقدن الأمل بتغيير أحوالهن، ودعمهن ومساعدتهن قدر الإمكان، كما وأنه يمثل خط دفاع وقائي للضحية *

بالرغم من التطور الذي نشهده هذه الأيام وبالرغم من المرتكزات الأساسية التي تقرها المذاهب الإنسانية في تأكيد الاحترام والكرامة والحق الإنساني لجميع البشر، ورغم الأضرار والخسائر التي تكبدتها الإنسانية جراء اعتماد العنف كأداة للتخاطب والتحاور، ومع ما يعيشه الإنسان اليوم في عصر الحداثة والعولمة والتطور، لكن لم يستطع هذا التقدم أن يهدي إلى البشرية السلام والمحبة والاحترام المتبادل. يعتبر العنف الموجه ضد المرأة انتهاكا للكرامة الإنسانية وخرقا لجميع المواثيق الدولية والشرائع السماوية والاجتماعية، فهو هدر لحقوق الإنسان التي ضمنتها الكثير من الشرائع والسنن التي دافع عنها الإنسان وضمنها في مدوناته القانونية. ألا أن هنالك من يتغنى ببعض الظروف السياسية الاجتماعية والاقتصادية التي تفرز بعض العوامل التي تصعد من وتيرة العنف بشكل عام لا سيما العنف الموجه ضد المرأة.
يمكننا القول بأن أغلب حالات العنف والاعتداءات الجنسية موجهة اتجاه النساء والفتيات، وتقوم هذه الحالات على القوة والسيطرة وتتسم بدرجات متفاوتة من التميز والاضطهاد والقهر والعدوانية الناجمة عن علاقات غير  متكافئه بين الرجل والمرأه في المجتمع، تأخذ أشكالا نفسية وجسدية متنوعة. كما وهنالك أضرارا إضافية هي ترسيخ مفهوم التمييز ودونية النساء في المجتمع للأجيال الشابة، وتعميق مجتمع ذكوري مهيمن يتبع السلطة ويمارس العنف تجاه الأنثى، بل وترسيخ هذه المفاهيم لدى الأنثى وقبولها هذا الحال والرضوخ إليه.
لقد عانى مجتمعنا الفلسطيني وما زال كالعديد من المجتمعات  الأخرى من العنف الأسري والمجتمعي، وكان لوضعنا السياسي في الدولة وتزايد وتيرة العنف والتمييز ضدنا كأقلية قومية، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، الدور الأساسي في تزايد نسبة العنف الأسري داخل مجتمعنا الفلسطيني وتحديدا ذلك الموجه ضد النساء.
إننا نرى بأنه يجب على مجتمعنا كافة تحمل المسؤولية والتعامل مع المشاكل والصعوبات التي تتعرض لها فئة النساء والأطفال تحديدا وذلك للحد من حجم المشكلة، إذ أن سلامة الأسرة ونسيج المجتمع ككل يتأتى عند توفر سلامة وأمن كل فرد فيه بصرف النظر عن جنسه. وعليه فهنالك دور هام للأسرة في محاربة العنف ودعم الضحية أثناء الأزمة وحمايتها وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي. كما ويوجد هنالك حاجة للعمل على زيادة الوعي المجتمعي تجاه مشكلة العنف والمفاهيم السلبية والتقليدية التي أتاحت تعرض النساء للعنف، سواء من خلال تنظيم حملات توعية مختلفة ورفع الوعي المجتمعي والأسري حول العنف.
وهنا أرى بأنه من المهم الأشارة بالتغيير المجتمعي الذي بدأنا نلمس خطواته الملحوظة، بأن الدعم الذي باتت تتلقاه الضحايا، أو الفتيات والنساء المتضررات من العنف والاعتداءات الجنسية، من قبل الأهل والأزواج في حال تعرض زوجاتهم وبناتهم لأعتداءات جنسية، يساعد الضحية في تخطي الأزمة بأضرار نفسية أقل، وقد لمسنا هذا التغيير في السنوات الخمس الأخيرة لعملنا بالمركز حيث وصلت نسبة الأهل والأزواج الذين توجهوا للمركز بهدف المساندة والمساعدة إلى 8%، وهذا ما لم نلحظه في المركز من قبل. وإن دل هذا على شيء إنما يدل على التغيير الذي عملنا ونعمل عليه في تقبل ودعم ومساندة النساء والفتيات ضحايا العنف والاعتداءات الجنسية. وهنا لا بد الإشارة إلى البحث التي أعدته د. نادرة شلهوب كيفوركيان بالتعاون مع جمعية نساء ضد العنف حول موضوع البوح والكشف لدى ضحايا الاعتداءات الجنسية العربيات. فقد أكدت د. شلهوب-كيفوركيان على موضوع البوح والكشف عن الاعتداء لدى الضحايا، وكان من أبرز النتائج في البحث أنه في حال تعرض الفتيات للاعتداءات الجنسية هنالك علاقة واضحة تربط البوح والكشف  بهوية الأطر والجهات التي ممكن أن يتلقوا من خلالها الدعم والمشورة والمساندة، سواء أطر مهنية، أصدقاء، عائلة وأهل؛ حيث يبين البحث أن %52 من المشاركات في البحث أشرن بأنهن يفضلن الكشف لعائلاتهن وأهلهن بالذات لأنهم أكثر مجموعه تكتم سرهن وتهمهم مصلحتهن، كما وأن العائلة والأهل بالنسبة لهن العنوان الأول بشرط عدم الحكم والتذنيب، وبعدها المؤسسات والجمعيات النسوية والنسائية التي تحافظ على السرية وتساعد بدون إصدار أحكام مسبقة على الضحية.
هنالك حاجة ماسة للدعم الأسري للضحية، وذلك من خلال استقبال وحماية ودعم الضحية، والحد من الإيذاء الجسدي والنفسي  لها، والأسرة والأهل الذين يتركون ابنتهم تتعرض لعنف من قبل زوجها ويرفضون استقبالها، فإنهم يشاركون بهذا العنف بطريقة أو بأخرى، إذ أن العنف لا يتوقف عند باب الزوج فقط بل أن رفض أسرة الفتاة المتزوجة استقبالها ومساعدتها يشجع زوجها على الاستمرار في العنف ما دام أصبح مؤمنا أن أهل زوجته يرفضونها، فما الذي يمنعه من الاستمرار بسلوك العنف؟؟ 
إن الدعم الأسري عامل مساعد في تخطي عقبات كثيرة لدى النساء اللواتي تعرضن للعنف فهو الطريق التي فتحت عيونهن ومدت لهن يد المساعدة بعد أن فقدن الأمل بتغيير أحوالهن، ودعمهن ومساعدتهن قدر الإمكان، كما وأنه يمثل خط دفاع وقائي للضحية.
هنا لا بد لي من ذكر المسلسل المصري الذي تم عرضه على شاشات التلفزيون "قضية رأي عام" من بطولة الممثلة القديرة يسرا، حيث تدور أحداث المسلسل حول طبيبة أطفال تحظى بالاحترام ومعروفة بتفانيها ونزاهتها في عملها، تتعرض مع بعض زميلاتها العاملات للاعتداء والاغتصاب في وقت متأخر من الليل أثناء عودتهن من العمل. المسلسل يطرح بعض القضايا الحساسة مثل الإدمان على المخدرات والاغتصاب والقضايا الأخلاقية ونظرة المجتمع إلى المرأة الضحية، وقد أثار المسلسل الكثير من ردود الفعل، فهو يتناول جريمة الاغتصاب في المجتمع المصري بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام، وقد تناولته العديد من الأقلام مؤكدة على أن الاغتصاب هو جريمة وتجب معالجتها. وهنالك ردود فعل غريبة نوعا ما حول مشهد الاغتصاب الذي عُرض في الحلقة الثانية من المسلسل، وهنا يجب أن نطرح السؤال التالي: هل يختلف رأي المثقف عن الجاهل في مثل هذه الحوادث في ظل مجتمع تحكمه موروثات عديدة لا تزال تنخر في عقولنا حول الجريمة، مواصفات المغتصبة- وهل يجب أن تكون هنالك مواصفات للمغتصبة؟؟ عمر، ثقافة أو طبقة اجتماعية معينة؟
لقد كان لعم وابن عم البطلة دور كبير في دعمها ومساندتها وحثها على العمل والنضال من أجل معرفة المجرمين ومعاقبتهم، إلا أن المسلسل أظهر الضغوطات المختلفة التي تواجهها الضحية. إن ما عرضه المسلسل وأثاره من نقد وتأييد إنما جاء ليؤكد بأن المؤتمرات والندوات وإصدار التقارير حول جرائم العنف الجنسي والجسدي وحده لا يكفي، بل هنالك حاجة لعمل مجتمعي وأسري لدعم الضحية وأن لا تدفع المرأة ثمن جريمة لم ترتكبها، وتعتبر فضيحة المرأة الشغل الشاغل الذي قد يقضي على مستقبلها، وفيها يصبح رأي المثقف مثل الجاهل، والكبير مثل الصغير، والمظلوم مثل الظالم.
إننا نؤمن بأنه من حق كل إنسان عدم التعرض للعنف والإهانة، والتعامل معه على قدم المساواة مع غيره وذلك باعتباره حق من حقوق الإنسان الأساسية، وعندما تهدر هذه الحقوق أو جزء منها فإن الدور الإنساني سيؤول إلى السقوط والاضمحلال، كما وأن المرأة أساس بناء الحياة ولن تستقيم الحياة لو تم التعرض والمس بحقوق المرأة الأساسية وفي الطليعة حقها بالحياة والأمن والكرامة وصناعة كيان واعي ومستقل لوجودها .
وأخيرا، فإننا في مركز مساعدة ضحايا العنف الجنسي والجسدي  نقوم بعلاج ومتابعة القضايا والحالات المتوجهة إلينا، كما ونقوم بإصدار تقارير دورية وذلك بهدف رصد وجهات التغيير في المجتمع، وأيضا بهدف رصد نقاط الضعف والقوة لدى مجتمعنا والعمل على تقوية ودعم النساء خاصة والمجتمع عامة، كما وإننا نقوم بتقديم الدعم والعلاج النفسي، الاجتماعي والقانوني للضحية، ومساعدتها على الاستمرارية و التكيف من جديد مع نفسها ومع المجتمع المحيط بها. كما وأننا نؤكد على أهمية العمل المجتمعي بكافة فئاته وجهاته للقضاء على هذه المشكلة والجرائم التي تقترف تحت أسماء وعناوين مختلفة إلا أن الضحية في أغلبها هي واحدة، المرأة والفتاة.


* الكاتبة هي مركزة مركز مساعدة ضحايا العنف الجنسي والجسدي- نساء ضد العنف.

ليندا خوالد- أبو الحوف
السبت 26/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع