إذا كان أبوه البصل



يقال أن العرق دساس وأن الجينات (بلغة اليوم) تفعل فعلها، وأنها تنتقل من جيل إلى جيل. وقد عبّرت أمثالنا الشعبية في العالم العربي عن هذا بلغة لا تقل عن لغة العلم الحديث... فقالت: إذا كان أبوه البصل وأمه الثوم فمن أين تأتيه رائحة المسك؟
وفي موقف آخر قالت العرب: إذا كان أبوه الفل وأمه الياسمين فرائحته حتما ستكون مثل رائحة الورد الجوري.
وهكذا قيل المثل الأول في القدح والثاني في المدح.. وفيما بينهما وعلى الرغم من كل ذلك فللبصل والثوم فوائد كثيرة لجسم الإنسان. فالبصل يقوي جهاز المناعة والثوم من أقوى المضادات الحيوية.. ويستعمل البصل ضد الغازات المسيلة للدموع بالإضافة إلى أنّ ماء البصل يستعمل قطرة للعين المصابة بالرمد وإلى أنّ الثوم والبارود يزيل الثعلبة وكذلك يستعمل الثوم لعقصة النحلة ولدغة العقرب... ولمن لا يعرف الثعلبة هي تساقط الشعر موضعيا.. وهي داء سقوط الشعر عند الثعلب ومن هنا جاء الاسم.
ملعون أبو الطبيعة وأبو نقائضها. وكذلك الإنسان الكامل التناقض تعلم كثيرا من التجربة.. أولا في مسألة تعامله مع الطبيعة بقضية التداوي بالإعشاب وثانيا في مسألة تعامله مع ذاته، فمن خلال التناقض والأضداد تعلم كيف ينسجم مع نفسه ومع المحيط. تبا للإنسان ما أذكاه وما أغباه، وما اتقاه وما أكفره. ما أكثر تلونه، كأن يكون غبيا ويمثل دور الذكي أو أن يكون كافرا ويمثل التقي تمثيلا ونفاقا. أو أن يعمل (بوز كرم) لغاية في نفس يعقوب وهو من انتن خلق الله. والأخطر أن يكون وصوليا أو نباتا طفيليا متسلقا.
في هذا الزمان نتوهم أننا تغلبنا على الغرب بأخلاقنا.. نتفاخر بأخلاقنا وهي عمليا موجودة في الكتب المقدسة وفي كتب التراث والحكايات والأساطير. لا نعرف اليوم السارق من المسروق ولا الصادق من الكاذب ولا المستقيم الأمين من النصاب ولا الشريف من العاهر. نتعامل مع بعضنا البعض كما يتم التعامل مع شاهد الزور.. يأتون به إلى المحكمة راكبا معززا مكرما.... ويروح ماشيا مطأطئا رأسه!
كتب صادق الجلال العظم بعد نكسة 1967 كتابه الشهير "النقد الذاتي بعد الهزيمة". فماذا تعلمنا منه ومن قراءته؟ اسبانيا تصدر من الكتب أكثر مما يصدر في العالم العربي كله. وعدد سكان العالم العربي كعدد سكان الولايات المتحدة. في أوروبا معدل قراءة الفرد للكتب 37 ساعة في السنة وعندنا ست دقائق. معدل الأمية بمصر يقارب 80% وفي اليابان يغيرون من جينات البطيخ. نعم البطيخ. بطيخهم مربع الشكل وأحلى وأجمل وأسهل للشقح ربما من بطيخنا الكروي. ونحن هنا مشغولون ومندهشون من حقيقة البطيخ وكيفية فعله الجنسي. فيقولون أن للبطيخ طاقة أقوى من الفياغرا. كيف لا وأجدادنا يعرفون أن السكين الصدئ تجلى بقشر البطيخ. وتلك حكمة مجربة كما قال الجاحظ.
لا اكتب بهذا الصباح عن يأس.. إنما من اجل تحسين الجينات... ليكن معلوما أن البصل يقوي ألباه لكن ليس بالبصل وحده يحيا الإنسان وليس بالكم تقاس الشعوب...

وليد الفاهوم
الأحد 27/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع