على هامش الاحتفاء بالشّاعر حسين مهنّا في بيت الكاتبة راوية ُبربارة:
ديوان حسين مهنّا



كنّا، زوجتي وبلوتها (أنا)، طوال الطّريق، نتحشّم السّائق أن يخفّف السّرعة. وسرعان ما تنبّهنا أنّ له سببًا جميلاً: بعد أن يكفتنا في أبوسنان، سيواصل إلى غير مكان حيث عشاءٌ، ليس سرّيًّا، مع أسرة من ستكون كَنَّةً لنا ثانية، عقبى للعايزات والعايزين. ودّعنا وليدنا، وتواعدنا أن يتّصل حال الخروج من الجنّة ليمرّ بنا ونعود معًا إلى حرفيش.

 

وصلنا أبوسنان، إحدى أجمل عرائسنا الجليليّات، لنجد طريقنا المعهودة إلى مضارب أهلنا آل بُربارة، القريبة من مقام النّبي زكريّا (عليه السّلام والمساواة)، مسدودة لحساب عرس من أعراس الجليل سيبدأ عمّا قليل. وبدأت عمليّة البحث عن بديل. بعد سؤال هنا واستفسار هناك، وفي حدود السّابعة مساءً، وجدنا أنفسنا في بيت الأخت الكاتبة راوية بُربارة (وزوجها الصّديق المحامي منير بربارة والأمراء حنّا وفراس ونادين)، وسط جمهور كريم من معارفَ وأصدقاء، وعلى رأسهم، عريس المساء، الأخ الشّاعر حسين مهنّا، ترافقه الزّوجة الفاضلة، الأخت منيرة (أمّ راشد)، والأولاد الرّائعون (نبيلة ونوال وسعاد وراشد وزيدة وأحلام وفندي) وفريقٌ راقٍ من أنسباء وأقرباء.

 

"كلّ تأخيرة فيها خيرة". لم أجد مكانًا إلاّ يمينَ العريس. وعروسي إلى يساري. وكان بدأ اللّقاء، فلم أشأ أن أقاطع المتحدّث، الأخ الشّاعر سالم جبران، لأسلّم. فقعدت راكدًا إلى حين. وتبادلنا، زوجتي وأنا، تحيّات صامتات مع تلك وذاك من أصدقاء وصديقات. وتوالت التّحيّات والشّهادات بالمُحتفى به، الشّاعر حسين مهنّا، لمناسبة إصداريه الشّعريّين الأخيرين ("الكتابان" و "تضيق الخيمة يتّسع القلب")، الصّادرين، في الأسبوع الأخير من العام 2007، عن دار "الأسوار" العكّيّة، المعروفة منذ نيّف وثلاثة عقود، بما تقدّمه من خدمة حقيقيّة لثقافتنا الوطنيّة.

 

 

أدرات اللّقاء، الصّديقة وفاء حزّان، وهذه كاتبة وشاعرة من أبوسنان، أقلّ ما يُقال في نشاطها المحمود: قلبها على الأدب من قلب وربّ. وبعد أبي السّعيد، تحدّث (مع حفظ الألقاب والمقامات وحسب ما يتقطّر الآن من غيم الذّاكرة) كلّ من: نهاد فارس، نايف سليم، نبيل عودة، سيمون عيلوطي، د. سليم مخّولي، د. بطرس دلّة، محمّد علي الصّالح، يحيى عطا الله، عادل مهنّا، يعقوب حجازي، د. منير توما، منيرة مهنّا، حنان حجازي، سعاد حسين مهنّا، راشد حسين مهنّا، فندي حسين مهنّا، نبيهة مرقس، راوية بُربارة، تركي عامر. أرجو أن أتحصّل على مداخلاتهم، المكتوبة والارتجاليّة على السّواء، كي أدرجها في "ورقستان"، احتفاءً متواضعًا بشاعرٍ، أعرف أنّه سيزعل لهذه المحاولة "الخبيثة" في تعريضه لبعض ضوء. فلتزعل، يا حسين. وزعلك رضا، يا أبا راشد.

 

جاءت المداخلات، بدون استثناء، ما بين قصيرة ومتوسّطة. وللحقيقة، لم يشأ أحد أن يطيل، لأنّ طبيعة السّهرة، شبه العائليّة، لا تحتمل المطمطة والجاييك بالطّويلة، فضلاً عن طبع المحتفى به الزّاهد بالأضواء، حبّذا حذونا حذوه الجميل والنّبيل والأصيل في هذه وفي سواها من أخلاقيّات حسينمهنّاويّة عالية لا تُكْرِهُكَ إلاّ على المزيد من نبيذ المحبّة.

 

كان لمداخلة ابنة المحتفى به، المعلّمة (والكاتبة احتياط) سعاد (مهنّا) مْداح، وقع خاصّ على السّهرة. بعد أن تحدّثت ارتجالاً، وبأسلوب جعلها نجمة السّهرة، عن الحرج النّاجم عن كونها طالبةً (آنذاك) ابنةً لمعلّم في مدرستها وشاعر معروف لا في قريتها فقط، فضفضت سعاد، على ضفاف دمعة حقيقيّة خنقت صوتها بين حين وآخر، فضفضت عمّا حدث مع إنشاء لها دخل، في حينه، مسابقة عالميّة ليفوز بالمرتبة الأولى. وحكت كيف أنّ معلّم العربيّة، آنذاك، ناصبها عداءً غير مبرّر، حدّ السّخرية والتّهكّم أمام أترابها في غرفة الصّفّ، لا محاولة في تثبيط عزيمتها فحسب، بل ليخنق برعمًا نابضًا كان من الممكن أن يصير إلى شجرة وارفة. وبحسب ما فهمت، كان لتلك الحادثة الدّبلوأدبيّة أن جعلت سعاد تقلع عن الكتابة بسبب ذيّاك "المعلّم الفاضل"، وجعل حركتنا الأدبيّة تخسر من كانت من الممكن أن تكون مبدعةً جيّدة. ولابنة أخي، سعاد، أقول: عودي إلى دفاترك القديمة وانفضي الغبار. إنّ صمتنا قاعة واسعة تتّسع لأكثر من صوت. أكتبي وانشري، فالحبر لا يعرف الخوف ولا الخجل، ولينفلق أعداء الشّمس سطعشر ألف فلقة.

 

وبعد، أيّها الشّهود الأحياء، معلِّم، من هذه النّوعيّة، غير منقطعة النّظير، لأنّه ليس الوحيد في سلاح العدوانيّة المضادّة للتّاريخ الطّارد عن المركز، معلّم كهذا يستمرّ في "رسالته التّربويّة الشّريفة" ويخرج إلى التّقاعد معزّزًا مكرّمًا بعد عقودٍ معقّدات، في حين أنّ مربّين حقيقيّين، خرّجوا مبدعين في جميع المجالات، يُقالون من عملهم إقالة تعسّفيّة بدون راتب تقاعديّ يقيهم وجع السّؤال.

 

لأنّ كأس الكلام كانت دائرة على الجميع، فلم أتفاجأ من إمكانيّة وصول العريفة، وفاء حزّان، إلى "سماحة" الجالس إلى يمين العريس. ولم أكن حضّرت شيئًا مكتوبًا، فهببت واقفًا بقامتي الفارعة لأقول فارعًا دارعًا: الجمهور الكريم، سأفقعكم خطبةً طولُها ستّون ثانية. حسين مهنا، أحدّ أهمّ الشّعراء العرب الفلسطينيّين الّذين تتلمذنا على أشعارهم ومواقفهم. أحبّ هذا الحسين المهنّا كثيرًا وأحترمه كثيرًا. ويوم يقع الحبّ والاحترام على أحدهم، فهو لا شكّ من المميّزين والمتميّزين. وبعد، لأنّ الصّديق منير بُربارة، كان وشوشني، ذاتَ هاتف: أبو راشد طلب أن يكون العشاء بدون مشروب. فظلّت مسألة المشروب عالقة على جدران لاوعيي (الواعي أحيانًا)، وقبل أن أنهي معزوفتي المنفردة بالمباركة للمحتفى به (حسين مهنّا) وبالشّكر للمضيفين (راوية ومنير بُربارة)، رأيتني أرتجل: عا باب الجنّه وْصلنا/ قالوا أطلب واتمنّى/ قلتلُّن لو فش نْبيذ/ ديوان حْسين مْهنّا.

حرفيش * 21 تمّوز 2008

تركي عامر *
الأحد 27/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع