اشفقوا على حالكم وحال عباد الله



"ابو الامين" يحلف اغلظ الايمان ان ضريبة الدخل أرحم من دفع النقوط في الاعراس، ففي كل سنة يستقرض من البنك اكثر من عشرين الف شاقل ويتجاوز عنده السحب الزائد جميع الخطوط الحمراء وكل ذلك حتى لا يقصّر ويقوم بواجبه الاجتماعي في الاعراس. فضريبة الدخل تستطيع دفعها بالتقسيط اما النقوط للعروسين فعدا ونقدا كل مئة شاقل تنطح اختها المئة شاقل الثانية. "الله يهدي بال الناس" وما اجمل واحلى من الافراح، ولكن عربنا زودوها حتى اصبحت الافراح اتراحا بالنسبة لأهل العرس ولمعازيمهم، صار العرس ثقل جبل على الصدور وعلى الجيوب. ابو الامين محقون غضبا على دار صديقه "ابو عبدالله" الذي زوج ابنته "شهوة" الشهر الماضي. فأبو عبدالله حالته المادية متعوسة، يا دوب دخله من العمار يكفي لتوفير حياة مستورة لعائلته ويطلع رأس برأس في آخر الشهر. وشهوة قريدة العش، آخر العنقود بين الاولاد السبعة، ام عبدالله حلفت بالانبياء الطاهرين انها ستقور اعين كل الحاسدين وتعمل لشهوة تعاليل تتحدث عنها كل البلد. وفعلا جمعة بكاملها، ست ليالي بطولها الا واقبل بزوغ الفجر كل ليلة، كانت الموسيقى والرقص يصدحان في تعاليل السهرات كرمال عيون شهوة، ولم يقف الامر عند حدود الرقص والطرب، ففي عهد العولمة الثقافية التي نقطف قشورها لا يطيب الكيف الا بالكاس والطاس والكبة والمشاوي، هذا غير المعجنات والحلويات التي تقدم حبطرش دون حسيب او رقيب، وعلى رأي ابو الامين ان تكلفة كل سهرة وتعليلة تساوي دخل شهر من عمل ابو عبدالله بالعمار. واكثر ما اثار حفيظة ابو الامين هو التبذير الشيطاني في عزومة العشاء على مائدة اهل العروس، اكثر من ثلاث طناجر رز مفلفل وثلاثين كيلو لحمة بقيت بعد العشاء، يعني اكل يكفي لاطعام مئات من الفقراء المحتاجين، يطعم مخيم بكامله يواجه حصار التجويع على ايدي المحتل الاسرائيلي في قطاع غزة. "ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين"، فهل يستخلص شعبنا العبر، خاصة واننا بفعل سياسة التمييز القومي السلطوية العنصرية شعب من الفقراء، حوالي خمسين في المئة من شعبنا يعيش تحت خط الفقر. ما انفقه ابو عبدالله على فرح ابنته يساوي اكثر من دخل سنة بعد عمله، كان بالامكان الاختصار في النفقات دون مبالغة في الزيطة والزمبليطة ودعم ابنته في تأثيث عش الزوجة. التبذير الصارخ في سهرات المنتزهات، اكثر من غلتي الوجبات الاساسية والمشروبات لا يمسها المشاركون من المعازيم. افرحوا يا اهلنا في حدود المعقول، وبشكل يدخل البهجة الى النفوس، ابتعدوا عن التقاليد الغربية التي تجعل من يشارك في العرس بنفسية من يشارك في مأتم جنائزي، وللفرح والافراح اصولها المتوارثة عبر الاجيال. ومن قال يا اهلنا ان الفرحة لا تتم الا اذا احتفلنا بتطهير العروس في المنتزه او بخطوبة المحروسة في المنتزه. ولتكن ايامكم يا شعبنا كلها افراح وانبساط وبهجة، والا تكون افراحنا عالة وغم وهم. اشفقوا على حالكم وعلى حال عباد الله، وليكن صباحكم منورا.
د. احمد سعد
الثلاثاء 29/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع