ليست حماس هي مشكلة اسرائيل... انما الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني!



الخبر الذي أبرزته صحيفة هآرتس في عددها الصادر يوم الاربعاء على صدر صفحتها الاولى، حول ما ادّعته من "تهديد" وجهه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى القيادة الاسرائيلية، بتفكيك السلطة الفلسطينية وحلها نهائيا، لو أقدمت اسرائيل على اطلاق سراح وزراء حكومة حماس، الذين تعتقلهم منذ أسر الجندي غلعاد شليط، ليس خبرا صحافيا بقدر ما هو لغم سياسي من رجس الاحتلال الاسرائيلي وأجهزته الامنية. والحقيقة أن هذا اللغم الاحتلالي، ليس معدا للانفجار تحت أقدام هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، وانما هو يستهدف الشعب الفلسطيني كله وحقوقه الوطنية المشروعة، يستهدف السلطة الفلسطينية ورئيسها ابو مازن، ويستهدف حماس وفتح وبقية الفصائل والمشروع الوطني الفلسطيني التاريخي برمته . 
ليست حماس هي مشكلة اسرائيل، ولا السلطة الوطنية هي الحل بالنسبة لها. فالمشكلة الحقيقية بالنسبة لاسرائيل هي الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني، والحل الذي ترمي اليه هو في القضاء على هذه الحقوق وازالتها من طريقها. ان الاستراتيجية الاسرائيلية تقوم بشكل فاضح على الجمع بين التمسك بسياسة الاحتلال واستباحة الحقوق الفلسطينية القومية والانسانية من جهة، والاحتفاظ في الوقت ذاته بموقع الضحية- ضحية الشعب الفلسطيني، وضحية الارهاب أمام العالم. ان اسرائيل ترسل اشاراتها في كل اتجاه، الى انها بحاجة الى شريك فلسطيني يوفر لها هذه المساحة الاستراتيجية المشبوهة، التي تحتاج اليها لانقاذ مشروعها الاحتلالي. فهل تحذر الفصائل الفلسطينية من اللعب في هذه المساحة؟! ان تمزيق الشعب الفلسطيني وتفتيت وحدة المناطق الفلسطينية، ليس جغرافيا فقط وانما سياسيا ايضا، ومن ثم تفتيت الحل والاحتراب الفلسطيني الداخلي، بما فيها التفجيرات الاجرامية في غزة مؤخرا، واعمال القمع العشوائي والاستباحة غير المبررة لحقوق الناس وحرياتهم التي تلتها، شكلت وعلى رؤوس الاشهاد، مطلبا اسرائيليا وأمريكيا احتلاليا فظا وفاضحا منذ سنوات طويلة، وشكلت شرطا مسبقا لنشر أوهام الحراك السياسي، التي سرعان ما تحولت في كل مرة، الى مهارب لتهريب جرائم الاحتلال.
ان ما تحتاجه السياسة الاسرائيلية الغارقة بأزمتها الشاملة حتى العنق، هو تصدير حالتها المأزومة الى الشعب الفلسطيني، وتفويت الفرصة عليه، لاستغلال الازمة السياسية والاخلاقية العاصفة بالمؤسسة الاسرائيلية- والتي وصلت قمتها باعلان اولمرت انسحابه من الحلبة السياسية خلال فترة وجيزة- لتحسين موقع الفلسطينيين في مقارعة الاحتلال ومناهضة المشاريع الامريكية العدوانية في المنطقة، وفي المعركة على  الحل العادل.
 ان الازمة السياسية الخانقة في اسرائيل، المترافقة مع تحول العراق الى مقبرة لاحلام المحافظين الجدد، وفشل المشاريع الاسترايجية الكبرى لادارة الرئيس بوش في الشرق الاوسط، تشكل فرصة لا يمكن تفويتها، لخلق معادلة فلسطينية جديدة، تعيد القضية الفلسطينية الى سياقها، وتعيد الشعب الفلسطيني الى ثوابته، وتعيد الاعتبار الى محرماته والى مشروعه الوطني التاريخي، وتفك أسر قضية الشعب الفلسطيني العادلة من براثن المعادلات الامريكية الابتزازية والاسرائيلية الاحتلالية. 
ان الدعوة الى الحوار الوطني وتوحيد الساحة الفلسطينية التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هي خطوة هامة، وبمقدورها ان تكون تاريخية، بمدى ما يتم التعامل معها بصدق من الاطراف الفلسطينية جميعها، وبعيدا عن التكتيكات والمناورات، كنقطة انعطاف نحو خيار استراتيجي بديل للوضع الفلسطيني القائم. كما ان اللهجة الجديدة التي استعملها مؤخرا، رئيس الحكومة الفلسطينية د. سلام فياض والاتهامات التي وجهها الى حكومة الاحتلال، وتفنيد الاوهام التي حاول رئيس الحكومة الاسرائيلية اولمرت نشرها في مؤتمر باريس المتوسطي، بمقدورها ان تشكل نقلة نوعية، اذا ما تحولت الى خطاب فلسطيني مقاوم جديد، معركته اولا واخيرا مع الاحتلال، معركة تحررية شاملة. ان اللغم السياسي الذي زرعته المؤسسة الاسرائيلية تحت اقدام الشعب الفلسطيني، من خلال الخبر المنشور في هآرتس، والمذكور اعلاه، لم يكن بعيدا عن ملامح الفرصة الناشئة على الساحة الفلسطينية، ولا عن وصول الاستراتيجية الامريكية والاسرائيلية الى الحائط والى الباب المأزوم.
لقد نشأت امام الشعب الفلسطيني وقيادته معطيات جديدة. ليس هناك في الفترة القريبة  شريك اسرائيلي للحل السياسي. وليس هناك مبرر للبحث عن راع أمريكي لعملية سياسية متعثرة قبل قيام الرئيس بوش، الذي اثبتت ادارته انها ليست جزءا من الحل، بل جزءا من المشكلة، بمغادرة البيت الابيض. ومن المشكوك فيه، ان تكون المشاركة الفلسطينية في اية عملية تفاوضية في ظل هذه المعطيات، قادرة على تلبية متطلبات حل القضية الفلسطينية، وقد تكون عوضا عن ذلك فخا يحاول ابتزازهم او الالقاء باللائمة عليهم كما حدث في قمة كامب ديفيد في العام 2000.     
ان المطلوب في هذه المرحلة، ليس التهدئة مع الاحتلال، ولا وقف مقاومته. بل تصعيد المقاومة التي تحرج الاحتلال، لا المقاومة التي تدفع اهدافه السياسية الى الامام. ان النموذج الذي يقدمه ابطال المقاومة الصامدين في بلعين وفي نعلين،  يشكل اشرف اشكال المقاومة وارقى اشكال النضال واكثرها فاعلية. واذا كان قد قيض للشهداء الاطفال ان يذكوا زخم مقاومة الاحتلال، من لينا النابلسي الى محمد الدرة ، فقد حان الوقت لاحتذاء نموذج المقاومة الشعبية في نعلين نموذج الشهيد الطفل أحمد موسى الذي استشهد دفاعا عن الطفولة المنتهكة والمسستقبل المباح.

عصام مخول
السبت 2/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع