مفتتح: نحن أبناء الشعب الفلسطيني الباقون فوق تراب هذا الوطن, الوطن الأول والأخير للبقاء الأبدي نعتز ونفتخر بأننا نحاكم بتهمة الإبداع. وهم يحاكمون بتهمة السرقات والرشوات, التحرشات الجنسية في أحسن الأحوال.
ومن ثم:
قيل: على البشريّة الخوف من الاستبداد والاستعباد والأبعاد, الخوف من القمع والاضطهاد. على البشريّة الخوف من هذه الإسقاطات منفردة ومجتمعة والتصدي لها حفاظاَ على مسيرتها المستقبليّة وعليها أي البشريّة الحفاظ على ينابيع التصدي للممارسات القمعيّة دفاعاَ عن حريّة التعبير الفرديّة والجماعيّة وتحدي الذي يحاول انتهاك الحريات, تحدي سلطة الدولة المنتهكة وسلطة القبيلة الراكدة لخوفها على أطرافها من التواصل مع المجالات النقية الخارجية, تحدي كل سلطة تحاول قمع خلايا الإنسان وإبداعاته. على البشريّة الحفاظ على ينابيع الدفاع عن الحريات, فحقّ كلّ فرد, جماعة, التحرك والإبداع في كلّ الاتجاهات , لصقل المفاهيم والأفكار التي تدفعنا إلى الأفضل, طبعاَ بدون الاعتداء على تخوم وأفكار الآخرين .
نحن نعرف لانّ التاريخ علّمنا بان الحياة تستحق المتابعة , لأنها ضرورة وحتمية . الدفاع عن بسمات الأطفال أهم من كل المساحات الشاسعة , وقطرة ماء لزهرة قد تزهر, أهم واثمن وأنقى من كل آبار النفط . الدفاع عن حق الإنسان الجائع بلقمة العيش أفضل وأنظف من حياة السلطة والسلطان .
جفاف شرايين الاستمراريّة والبقاء في روؤس المحتلين دفعهم إلى ملاحقة حتى العصافير. اعتقال فيلم " جنين جنين " والتحقيق معه بصورة استفزازية , رخيصة وبمعرفة القيادات العسكرية والمدنية , وبأمر من المستشارين القضائيين كل هذا يعود إلى مركزيّة انغلاق عقل المحتل وقساوة أفكاره التي لا علاقة لها بأفكار ومفاهيم الإنسانية المتحضرة والبشرية الراقية .
التحريض على الإبداعات التي تغرد خارج السرب خصوصاَ اذا كانت عربية لا جديد فيه , لا بل وتعودنا عليه حتى الملّل . فقد حرضوا على "أوتاد" محمود درويش وعلى "فواصل" توفيق زيّاد, وعندما قمنا بتعلّم فن الحب وتعلّم بعضنا الإمساك بالنوتات الموسيقية , قالوا هذا عمل تخريبيّ وعندما فهمت أجيالنا عروض الشعر قالوا هذا الفهم تحريض على السامية وعندما نجحنا في إخراج الأفلام السينمائية وسّعوا بوابة السجن وشدّدوا الحراسة .
نحن , بفخر واعتزاز , نطمح لوطن ينبذ الفوضى, ويقذف الإزعاج , يعانق السلوك السالكة والمسلكة الراقيّة , وطن يتفاعل مع أفراحه بحضاريّة مميزة ومع أحزانه بتواضع ورويّة . نطمح لوطن لا يعنّف المرأة لأنها عورة وانّما يتماها معها وفيها لأنها روح الفضاء ومنقية الأجواء .
نحلم بوطن بدون تلويث بيئيّ وبدون ذئاب البشريّة وطن يلامس النمو ويعانق المده.
نحن لا نطمح لوطن يرفرف فوقه علم فقط , وانما نطمح لوطن مبدع , نعم مبدع ومثقف, تقدمي يحب المرأة والورد والقمح والكتاب يحب الأطفال والإنسان يحب الشمس والقمر, ألزّعتر والصبر , يحب كرمله ويافاه , وطن يحب الرمل وزبد البحر, حليب ألام وصدر الحبيبة , يحب الجليل برمانه والنقب بصحرائه والمثلث بجنوبه وشماله , وطن يحتم حقوق الحيوان, الأشجار, الجماد. وطن يرصف الطريق أمام المبدعين والمفكرين والدارسين, وطن يحترم كلمة , وطن يستنشق عطر الورد, وطن يدافع عن عذراء عاشقة وعن ام حاضنة وعن جدة حالمة . وطن يدافع ويحافظ على نقاوة زيته ورائحة اصالته.
نحن نطمح لوطن لا ينحني إلا لعلمه, نعم نحلم بوطن لا ينحني إلا لعلمه, يدافع عن إبداعات أبنائه شعرائه, أبطال رواياته, مسارات قصصه , يدافع عن لوحاته ومسرحيّاته, عن ألحانه وأغانيه, وطن يدافع عن أفلامه خصوصاَ إذا كانت قد جاءت من مخيم جنين , مثل فيلم "جنين جنين" فيلم بكري الكبير
هذا المبدع البكير
* ألقيت هذه الكلمة في الحفل ألتكريمي الذي أقيم في المركز الثقافي البلدي - الناصرة يوم السبت 26.07.08 للفنان محمد بكري تحت رعاية رئيس البلدية المهندس رامز جرايسي بالتعاون مع اتحاد الأدباء العرب الفلسطينيين في البلاد
مفلح طبعوني
السبت 2/8/2008