ركن الأطفال
بين الكوخ والقصر



(ترجمة: د. ادوار الياس)

غمرت اشعة الشمس المروج والجداول والغابات والبيوت الصغيرة المحشورة تحت القلعة غير البعيدة وغنت البلاد كلها بفرح ما عدا القلعة الشايبة التي غمغمت، تحت انفها، شيء حزين غير سار. لأن الشمس لا تشرق، والازهار لا ترفع رؤوسها، بين جدران القلعة الشايبة الا في اوقات متباعدة. وفي هذه الايام غطوها بالخرق السوداء.
- ولدت للملكة ماجدة والملك متى طفلة مع ندبة مرعبة على الجبين – نادى المنادي بين الدور – ومن يحل هذا السر الغامض ويخلص الاميرة من هذه العلامة المخيفة يكافأ بمقدار وزنه ذهبا.
وولدت امرأة فقيرة، في الوقت نفسه، توأمين، طفلا وطفلة. وكانا نغنوشين الى درجة انست الوالدين كلام المنادي، الامر الذي ما كان يجب ان يكون.
وغابت الشمس في فراشها الجاهز، وصعد القمر، ودار في قبة السماء، واغمض عيون جميع الناس. وهم على مواصلة السير، ولكن؟
شخوصا قاتمة تسترق الخطو بجانب جدران القلعة حاملة بقجة صغيرة كانت تبكي بهدوء.
دهش القمر، لكنه كان كثير الاعمال. فقال انه بعد ان ينير كل البلاد سيعود في الحال. ولكنه لم يعد بسبب النسيان.
- انهض، يا زوجي، غير احدهم ابنتنا!
- انك تحلمين، يا زوجتي!
- اركض، انظر! هل هذه طفلتنا؟ مع هذه الندبة المرعبة على الجبين؟
قفز الزوج من السرير. وتذكر كلام المنادي. ولف الطفلة باللفائف وركض بها نحو القلعة حيث طرده الحراس، وعاد فضربوه. وعبثا نادى وصاح بانه لا يريد سوى ابنته. ولم يسعده احد، ولم ينصحه احد. ولم يسمحوا له بالدخول. وبقيت الطفلة الفقيرة في القلعة، والطفلة الاميرة في البيت الصغير.
ونامت الاميرة في سرير من خشب، بينما نامت الفقيرة في سرير من ذهب. وكانت للاميرة اغطية مغزولة من كتان، بينما كانت اغطية الفقيرة محاكة من ذهب.
ومرت الايام والاعوام. وكبرت الابنتان، وكانتا جميلتين. الا هذه الندبة المرعبة على جبينها. وبينما كانت الأميرة تغسل شعرها، ذات يوم، في الجدول لمحت صورتها على سطح الماء.
- يا للهول، ربّاه! هل هذه أنا؟ قبيحة بهذا الشكل؟ مسخوطة؟ من الأفضل ان اموت.
- وقفزت الاميرة الى الماء ولم تظهر ثانية وعبثا بحثوا عنها ونادوا عليها ولم يرها احد ثانية.
- انهار بيت المرأة الفقيرة الصغير. وتوقفت العصافير عن التغريد في الحديقة، واغرورقت عيناها وانهمرت الدموع على وجنتيها.
- اين انت يا حبيبتي الغالية؟ اين انت؟ لقد سرق اهل السوء ابنتي الحقيقية، وخطف القدر ابنتي بالتبني. ارجعي يا ابنتي، ارجعي يا غاليتي.
وتراءت لها ابنتها بالتبني مع منديل على رأسها وهي تخلط العجين للخبز وتنظف وتكنس البيت وتغني..
وبكت المرأة، وبكت، لكن احدا لم ينصحها ولم يساعدها، ولم تشاهد الاميرة ثانية. واين كانت؟
بعد ان غطست الاميرة في الماء لم تشعر، من شدة الخوف، بالايدي اللينة الناعمة التي حملتها بعيدا. فانقلبت عيناها وغابت عن الوعي.
لقد حملتها حوريات الماء، مباشرة، الى بلاط ملكتهن.
- انظري، ايتها الملكة، اية فتاة احضرنا لقد ارادت الانتحار غرقا.
- احملنها على السرير، حملنها وتركنها عند المساعدات، وعدن! سأحكي لكن حكاية قاسية، لكنها حقيقية – قالت الملكة وواصلت:
- عاشت في قديم الزمان ملكة كانت تكره البنات. لم تحب اخواتها وامها. وكانت تلبس ثياب الصيادين. وتتصرف مثل الرجال. واظن انها كانت اقوى واقسى من الرجال. وحل اليوم الذي توجب فيه ان يشاركها زوج كرسي العرش. وبعد عام ولدت طفلة جميلة كالشمس وناعمة كالربيع لكن الملكة ثارت وزعقت:
- اعطوا هذه الطفلة للكلاب الجائعة! لا اريدها! لا اريد.
وقامت حارسة الغابات بخطف الطفلة، سرا، لتحميها.
وولدت الملكة بعد عام، طفلة اخرى. فلعنتها قائلة: "ستكونين قبيحة. لن يقبلك النهار ولن يغطيك الليل. وستلدين طفلة مع ندبة مرعبة على الجبين لا تختفي الا بعد ان تخدم عشرين عاما بدون اكل وملابس الملوك.
وبعد ان انتهت الملكة من هذا الكلام فارقت الحياة وهذه هي حكاية اميرتنا. انها حفيدة ملكة قاسية لعنت ابنتها وخلفها.
وبعد هذه الضربة القاسية اعتاد الملك على الصمت. واطلق على ابنته اسم ماجدة وغطى وجهها بقناع.
وعلى الرغم من بشاعة وجهها، الا انها كانت طيبة جدا ولطيفة جدا الى درجة انه لم يلحظ احد قبح وجهها. وكان من الممكن ان يطوي النسيان هذه الحادثة لو ان الملكة ماجدة، بعد عام من زواجها من الملك متى لم تلد طفلة مع ندبة مرعبة على الجبين.
اكتملت اللعنة، ولكنها انتهت كذلك. وامرت الملكة بالبحث عن افضل فلاحة في الجوار، تكون قد ولدت طفلة، كذلك. وتابعت الملكة نمو ابنتها الحبيبة، لكنها لم تستطع ان تقدم لها المساعدة. ولم تستطع الاميرة لمس اكل الملوك ولبس لباس الملوك وانتهت، اليوم، اللعنة. احضرن الاميرة!
ودخلت القاعة صبية رائعة الجمال، وكأن احدا لم يعرفها من قبل. وبعد ان استمعت الى حكاية الاميرة قالت:
- جميلة هي ولادة الاميرة، والعيش في العز والنعيم. لقد عشت في بيت صغير حيث قسموا الخبز الى قطع رقيقة وحيث انعدمت الزبدة. ولكن، كان هناك فيض من الحب والتفاهم. يجب ان اشكر والدي بالتبني. وان اعاملهما بكل طيبة، كما عاملاني ولم يتخليا عني حينما كنت قبيحة.
وعادت الاميرة الى البيت الصغير. وسطعت السعادة كسطوع الشمس.
وكانت الملكة، في قلعتها، تعد الايام وتنتظر، بفارغ الصبر، اليوم الذي تصبح فيه الاميرة في العشرين من العمر.
ومع بزوغ الفجر سارت الملكة، نحو ابنتها التي لم تستطع، سابقا، مساعدتها الا بسكب الدموع.
وما هو رأيكم، يا اطفال؟ ما هو القرار الذي ستتخذه الاميرة؟ هل تعود الى امها الحقيقية التي لم تسيء اليها، ام تبقى عند والديها بالتبني، اللذين ربياها واحباها حتى حينما كانت قبيحة؟

إديتا داود *
الأثنين 4/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع