استقالة اولمرت في الموازنة السياسية الحقيقية



كفنان في التمثيل الدرامي عقد رئيس الحكومة ايهود اولمرت يوم الاربعاء الماضي، مؤتمرا صحفيا اعلن من خلاله بشكل دراماتيكي انه سيستقبل من منصبه حال انتخاب حزبه كاديما في السابع عشر من شهر ايلول القادم من خلال الانتخابات التمهيدية البرايمريز رئيسا للحزب ومرشح لرئاسة الحكومة خلفا لاولمرت،، وان اولمرت لن يطرح اسمه للمنافسة في البرايمريز. كان خبر اولمرت عن استقالته دراماتيكيا ولكنه لم يكن مفاجئا بالمرة، "فالقيح ملأ الدمل" والسؤال الذي كان يتردد على الالسن متى ينفجر "الدمل"!. وقد اختار اولمرت وجود ثلاثة من رموز حزبه وائتلافه الفاشلين، وزير الخارجية تسيبي ليفني ووزير "الامن" ايهود براك ووزير المواصلات شاؤول موفاز في زيارة تنسيق استراتيجي مع الحليف العدواني في "البيت الابيض" للاعلان عن طي صفحة من تاريخه الاسود المخضب بقاذورات الفساد ودماء العدوان. ولعل احدى رسائل ومهام وفد حكومة الكوارث في الولايات المتحدة الامريكية هي التنسيق حول ماذا بعد اعلان اولمرت؟ اسقاطاتها ومدى تأثيرها على استراتيجية العدوان الامبريالية الاسرائيلية – الامريكية، على مساري التفاوض مع السوريين والفلسطينيين ومع القضية الايرانية وقضية بناء الشرق الاوسط الكبير في ظل الفشل الامريكي في لبناني والعراق وفلسطين.
ان من يفتش عن الاجوبة السطحية السهلة البعيدة عن جذور التحليل العلمي والموضوعي الحقيقي لمجريات تطور الواقع فانه يصل الى ان السبب المركزي لاستقالة اولمرت يكمن في اغراق اولمرت بتهم الرشى والفساد التي اصبح من الصعوبة بمكان افكار حقائقها، وان تقديم لائحة اتهام وادانة ضده اصبحت خلف الباب. صحيح ان السبب المباشر يكن في ان اولمرت فاسد ومفسود وتلقى رشاوى في اطار العلاقة المفسودة بين السلطة والرأسمال. ولكن غيره كان اكثر فسادا منه وتثبت اتهامات تلقين للرشاوى، ولكنه بقي متمترسا في كراسي السلطة مثل الرئيس السابق اريئيل شارون واولاده ومثل الوزير تساحي هنغبي وغيرهم. ما يفسر غرق واغراق اولمرت في مستنقع الفساد دون اسعافه بحبل النجاة من قبل من افسدوه من الرأسماليين المليونيريين انه فشل في تسويق البضاعة الاستراتيجية التي بنوا الآمال بتسويقها في المنطقة. فحقيقة هي ان استقالة اولمرت المرتقبة هي التعبير والتجسيد للازمة الخانقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها حكومة كاديما – العمل – منذ قيامها. وبرأينا ان الحرب العدوانية الاسرائيلية الفاشلة عسكريا وسياسيا والمدعومة امريكيا ومن بعض انظمة التواطؤ العربية كانت بمثابة "رصاصة الرحمة" التي حددت مصير والعمر القصير لهذه الحكومة الفاشلة. لقد ادت الحرب الفاشلة الاسرائيلية وانتصار المقاومة اللبنانية وفي مركزها حزب الله الى زعزعة اركان الحكم في اسرائيل باستقالة وزير الامن عمير بيرتس ورئيس الاركان حالوتس وعشرات المسؤولين من ذوي الرتب العسكرية العالية فقدوا مراكزهم، الا ان اولمرت المراوغ الثعلبي اجل حسم مصيره المرتقب الذي غذاه بتهم الفساد والرشى. وحقيقة اخرى هي انه في عهد حكومة اولمرت – براك – ليفني اصبح عدد الفقراء ومن يعيشون تحت خط الفقر. وحقيقة اخرى ان مظاهر الفساد والرشى كانت دائما تبرز في مختلف حكومات اسرائيل المتعاقبة، اما في حكومة اولمرت – براك الائتلافية فان عفونة الفساد والتروي الاخلاقي لم يسبق له مثيل، فرئيس الدولة اقيل على خلفية اخلاقية ووزير المالية اقيل بتهمة انه سراق ووزير القضاء اتهم بقضية اخلاقية ورئيس الحكومة بحزمة متهم الفساد والرشى. اضف الى كل ذلك، وقبل كل ذلك ان حكومة اولمرت – براك لم تتقدم اي خطوة جدية لتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين، بل تواصل نشاطها الاجرامي بحق هذا الشعب قمة تفاهمات مؤتمر انابوليس في تشرين الثاني الفين وسبعة تحت الرعاية الامريكية لم تتقدم اسرائيل اي خطوة في القضايا الجوهرية لثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، العكس هو الصحيح، تكشف عمليات الاستيطان والتهويد في القدس الشرقية المحتلة وضواحيها وتواصل بناء جدار الضم والعزل العنصري وتواصل فرض الحصار الاقتصادي والتجويعي على قطاع غزة وتواصل تصعيد جرائم الحرب بملاحقة وتصفية واغتيال واعتقال قادة وناشطين فلسطينيين.
وفي ظل اشتداد وتعميق الازمة السياسية – الاقتصادية تزداد مخاطر الفاشية العنصرية المعادية للعرب وللدمقراطية في اسرائيل وعلى مختلف المستويات الرسمية والبرلمانية والشعبية. يزداد الهجوم المنهجي من قوى اليمين والسلطة لشرعنة مصادرة العديد من الحقوق السياسية للمواطنين العرب والنواب العرب قبل قانون المواطنة وسحب المواطنة، وشرعنة مصادرة الاراضي والتطهير العرقي للعرب في النقب وفي القرى العربية غير المعترف بها.
لقد بدأ العديد من المحللين ودكاكين استطلاع الرأي بالتكهن ورسم السنيريوهات حول من سيخلف اولمرت، وماذا سيكون بعد اولمرت؟ ان ما يهمنا اولا وقبل كل شيء، وما نناضل من اجله هو ان يذهب مع اولمرت والى حيث القت رحلها.. السياسة الاجرامية الفاشلة التي انتهجتها حكومته، وان تنوجد ظروف افضل لاقامة حكومة تجنح للسلام العادل وللمساواة وللعدالة الاجتماعية. ولكن لا تجري الرياح بما تشتهي السفن، فالوضع لا يبعث كثيرا على التفاؤل، خاصة وان الصراع الحقيقي على السلطة في الظرف الراهن هو بين قوى اليمين والاستيطان وبين القوى الاكثر يمينية وتطرفا وعداء للسلام العادل، ففي السابع عشر من ايلول سينتخب حزب كاديما رئيسا له، وبعض الاوساط ترجح كفة تسيبي ليفني وانها صاحبة الحظ الاوفر، ولكن البعض يشك في ذلك ويرجح كفة وزير المواصلات شاؤول موفاز المدعوم من اولمرت وانه استغل مركزه كوزير مواصلات بادخال المئات من شركات النقليات الى كاديما لتأييده، اما وزير الداخلية مئير شطريت والامن الداخلي فهما عرضة لصفقات مراكز لضمان انحيازهم الى ليفني او موفاز، وعلى من ينتخب تلقى عليه مسؤولية 24 يوما لاقامة ائتلاف. والحقيقة ان كل من كاديما والعمل وشاس والمتقاعدين اعضاء الائتلاف الحالي معنيون بمواصلة الائتلاف الحالي، لأن الذهاب الى انتخابات مبكرة كما يطالب الليكود ليس في صالحهم، ولكن من غير المستبعد ان يطالب كل حزب من ليفني او شاؤول طلبات فئوية انانية، براك يطالب بان يبقى وزيرا للامن وحزبه يطالب باقالة وزير القضاء الحالي واستبداله بعضو الكنيست اوفير بينس من حزب العمل، شاس ستحاول ابتزاز مزيد من اموال الميزانية العامة لصالح حزبها ومدارسها الدينية. اما المتقاعدون المنقسمون على انفسهم فإنهم سيطالبون ببعض مطالب لتحسين وضع المتقاعدين وعمليا لتحسين وضعهم بين المنهار بين المتقاعدين.
ان قوى المعارضة اليمينية بزعامة رئيس الليكود بنيامين نتنياهو تطالب بتقريب موعد الانتخابات وانها لن تدخل في ائتلاف مع حكومة كاديما الفاشلة، ولكنها لا تنفى قطعا المشاركة في حكومة وحدة قومية كارثية يمينية برئاستها ورئاسة بنيامين نتنياهو. فوفق توازن القوى القائم اليوم في الكنيست لا تستطيع القوى اليمينية المتطرفة والفاشية العنصرية اقامة ائتلاف لوحدها برئاسة بنيامين نتنياهو والليكود 12 عضوا وهئيحود هلئومي 6 ويسرائيل بيتينوا، والمفدال – احدوت هتوراة 9، فحتى لو انضمت جدلا شاس الى هذا المحور فلن تستطيع اقامة حكومة الكوارث القومية. ولكن لا شيء مستحيل في ظل نظام تاريخه اسود ومخضب بدماء الحروب العدوانية وبمعاناة الفقراء من شعبه، فنحن لا نستبعد في ظف معين وبضغط امريكي فاعل اقامة حكومة وحدة قومية صهيونية من الليكود وكاديما والعمل وبعض الاحزاب الدينية اليهودية اليمينية الاصولية وتحت يافطة مواجهة "المخاطر القومية".
البعض يسأل ويتساءل، خاصة بعد استقالة اولمرت المرتقبة، ماذا سيكون مصير العملية التفاوضية على المسارين الاسرائيلي – الفلسطيني والاسرائيلي – السوري؟ اننا لا ننتظر من ايهود اولمرت في الوقت المتبقي لحكمه ان يتقمص دور جحا ويكسر مزراب العين، ان يعلن الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، دولة نظيفة من الاستيطان واوباش المستوطنين، وترحيبه ومواقفه بعودة اللاجئين الفلسطينين حسب قرارات الشرعية الدولية!! سنوات طويلة، واشهر طويلة و"سارة" تعاني من العقم، فهل من المعقول ان تأتيها الشهوة والوحم وتحبل وتخلف في ليلة غاب عنها القمر؟ اولمرت يريد ان يسطر اسمه في السجل التاريخي انه حقق انجازا يذكر، وهذا "الانجاز" الذي يضغط من اجله بوش ورايس وجميع اعداء الحقوق الوطنية الفلسطينية هو "اعلان التوصل الى وثيقة مبادئ حول الحل الدائم" غير مربوطة بأي جدول زمني او بأي تعهد او التزام دوليين بتنفيذها وبدون تنقيتها من الضباب الذي يلف ويغمر تفاصيل تفاصيلها. فاولمرت سيغمر ارشيف التاريخ سيرته كما سيغمر التاريخ الاسود لارباب نعمته في البيت الابيض من بوش الى تشيني الى رايس وخدامهم، اما الشعب العربي الفلسطيني فلن تطوى صفحة مقاومته حتى يحتضن حبال شمس الحرية والاستقلال الوطني في الدولة الفلسطينية السيادية وعاصمتها القدس الشرقية، دولة تصدح في حابها اناشيد واهازيج العودة الى الاعشاش العامرة. اما الجولان السوري، فقبل وبعد اولمرت، سيبقى سوريا ولا مفر من عودته الى حضن الام السورية الرؤوم.

د. احمد سعد *
الثلاثاء 5/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع