إنهم يغتالون قضيتنا !



تجاوزت أخبار الصراع بالسلاح بين الفلسطينيين الذين لم يعد لهم إطار سياسي يجمعهم، فعلاً، حدود المأساة إلى قلب الفضيحة بالإهانة التي يلحقونها بالتاريخ النضالي العظيم لشعبهم الذي كان الطليعة والمثال والقدوة للأمة العربية جميعاً في صموده وثباته على حقه في أرضه، كما في بذله السخي من دمائه حماية لقضيته المقدسة.
لقد أسقطت التنظيمات الفلسطينية »القضية« في مستنقع الصراع على »سلطة« تكاد تشبه سلطة السجان. حوَّل من كانوا »مجاهدين« سلاحهم في اتجاه أهلهم، أو هم ذهبوا إلى عدوهم يستعينون به على أخوتهم الأشقاء، يمنحون احتلاله المتمادي في مصادرة الأرض والقرار والمصير »شرعية« ممهورة بدماء شهدائهم.
صارت التنظيمات في صراعها على »السلطة« التي لا سلطة لها إلا في مجال تدمير القضية، مجرد ميليشيات مسلحة. خرجت من هويتها الوطنية، وحتى من هويتها التنظيمية لتتحول إلى عصابات عشائرية لا ضابط لها ولا رادع من ضمير أو إحساس بالمسؤولية الوطنية.
... وها هي تواصل السباق الجهنمي في تدمير وحدة الشعب وقضيته الجامعة لتحديد من هو »البطل« في جريمة اغتيال فلسطين.
انهم يغتالون أبطالهم ـ أبطالنا واحداً واحداً بدءاً بالشيخ عز الدين القسام مروراً بعبد القادر الحسيني وصولاً إلى كمال عدوان و»أبو يوسف النجار« وكمال ناصر، فإلى خليل الوزير وصلاح خلف وانتهاء بياسر عرفات الذي افترض ان »السلطة« هي طريق العودة إلى »الداخل« فإذا بعدوه الإسرائيلي، الذي ظل عدوه، يحولها إلى مقبرة »للرئيس« وللسلطة التي لا سلطة لها معاً.
وهم يغتالون أيضاً الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، مرة ثانية...
بل إنهم يغتالون، مرة ثانية، شهداء انتفاضة الحجارة ومعهم شهداء الانتفاضة الثانية بعنوان محمد الدره.
ثم إنهم برصاصهم الطائش وبسلوكهم السياسي الطائش يصيبون مع قضيتهم المستقبل العربي جميعاً: أليست فلسطين، بقداسة أرضها ودماء مجاهديها، هي العنوان المضيء للنضال العربي من أجل التحرر والوحدة والتقدم؟! أليس تحت رايتها تلاقت الأمة جميعاً، بمشرقها ومغربها، فتأكدت من هويتها الواحدة بداية عبر استهداف العدو الإسرائيلي لها بكل أقطارها، القريبة منها كما البعيدة... ثم عبر تنبهها إلى أن »استنبات« إسرائيل على أرض فلسطين يعني مصادرة المستقبل العربي جميعاً؟! ألم يجتمع عليهم الشرق والغرب لينصروا إسرائيل عليهم مجتمعين، وليكرسوا الانفصال مادياً ـ وعلى الأرض ـ بعد تثبيته بالكيانات الهشة التي كان حكامها مستعدين لأن يبيعوا كل المقدسات من أجل يوم إضافي في »سلطة« لا تملك من أمرها شيئاً؟!
لقد حول هذا الصراع العبثي طليعة الأمة إلى زمر مسلحة لا تقيم وزناً لأي مقدس، فلا الوطن يعني لها شيئاً بالمقارنة مع السلطة البائسة، ولا حلم التحرير، ولا ما يصيب »قضيتهم« من أذى سيعكس نفسه على أمتهم جميعاً؟!
إن صراعات العصابات الفلسطينية المسلحة، بالمزايدة كما بالمناقصة توفر لإسرائيل من مبررات »الشرعية« ما لم تستطع توفيره بحروبها الكثيرة منذ »النكبة« في العام ١٩٤٨ وحتى الحرب على لبنان في تموز .٢٠٠٦
لم يعد للتنازل حد. لم يعد للتفريط حد. لم يعد لوحشية التقاتل حد. أسقطت الحرمات جميعاً بدءاً بحرمة القضية وانتهاء بحرمة العائلة والبيت الواحد.
ليس بينهم بريء، ولا تجوز المفاضلة بين التقسيمي والمفرط. كلاهما يعمل للعدو الإسرائيلي. كلاهما ينحر القضية ومستقبل شعبه ومستقبل أمته.
ومن حق الأجيال العربية، من خارج الأرض الفلسطينية وإن كانت داخل قضيتها، ان تطالب بحفظ شرف نضالها من أجل التحرير واستعادة الأرض.
لقد كان المقاوم الفلسطيني بطلها شبه المقدس، به اقتدى شبابها، ومن إيمانه بحقه نهلوا، وإلى تنظيماته المقاتلة انتسبوا متخطين الحدود وحواجز سلطاتهم... بل إنهم كثيراً ما أجبروا سلطاتهم على ما لا تطيق حمايةً لحق المقاومة في الوصول إلى أرضها لمواجهة العدو.
نعرف ان الوعظ الأخلاقي لم يعد يفيد.
ونعرف ان الشبق إلى السلطة ولو على قبائل مقتتلة، وفي حماية العدو الإسرائيلي، قد أصم الآذان عن ان تسمع نداء الأخوة والمطالبة بحفظ ما تبقى من القضية.
ونعرف أن معظم الأنظمة العربية تتابع بشغف ظاهر وسعادة مستترة هذا الاقتتال بين الفلسطينيين والذي يعفيها من مسؤولياتها التاريخية عن »القضية المقدسة«، ويفتح لها باب الصلح مع إسرائيل، وبشروطها، على مصراعيها، فتنعم »بالاستقرار« و»الرخاء« الذي توفر مداخيل النفظ الخرافية الآن إمكان جعله اسطورياً..
لكننا لن نفقد أملنا في الشعب الفلسطيني، ولن يهتز ايماننا بحقه في أرضه، مع وعينا بأننا لا نستطيع ان ننوب عنه..
وما يحزننا أكثر، في لبنان خاصة، ان صراع المنظمات التي صارت أو تكاد تصير عصابات عشائرية، يعيد الاعتبار إلى إسرائيل وهي قد فقدته بعد حربها على لبنان في تموز ،٢٠٠٦ ويقدمها مرة أخرى وكأنها »النموذج« الباهر، والضامن الوحيد للسلام بين الفلسطينيين، وملجأ الأخوة الهاربين من أخوتهم الأعداء... فضلاً عن كونها واحة التقدم والديموقراطية في صحراء التخلف العربي؟

طلال سلمان
الخميس 7/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع