رسالة حب إلى محمود



ويل لشعب لا يستطيع أن يخرج من أحشائه شاعرا كبيرا آخر. ويل لشعب  ينعت شاعرا، أنه خاتم الشعراء. اذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نضب عدتنا الثقافية، والسياسية والابداعية، وسيكون محكوما علينا أن نجتر ما أبدع حتى الآن، وسنعيش في صحراء صنعناها بوعينا.
محمود درويش كان كبيرا، وسيظل كبيرا في وعينا وإحساسنا، سيظل الهاما لأجيال قادمة، لقد عبر أكثر وأجمل من غيره عن الأرض، والإنسان الفلسطيني المنكوب، لقد حمل فلسطين في دمه وأوردته. فلسطين كانت قصيدته، كانت أغنيته،وكانت الطفلة المدللة التي لم يستطع أن ينجبها، لكنه أنجب لنا شروطها، ملامحها، لونها الضائع،أنجب حتى الآن ما لم نستطع أن ننجبه، في اللغة، في الصورة الشعرية، رسم خط حلمنا، لونه، رسم لنا خطوط الزمن الضائع، ولكنه لم يقل أنه رسم كل شيء. آخر ما كتبه هو ذلك السيناريو الذي لم يكمله، ولكنه ترك وصية، أن يكمله شاعر آخر، وبذلك أراد أن يقول: أنا لست خاتم الشعراء، ولن أدعي بأنه لن يأتي بعدي شاعر آخر. الحزن كبير، والحزن هو نهاية البكاء، ذلك البكاء الذي سينير لنا طريق من حزنا عليه. علينا أن نتروى قليلا، فلندع الحزن يأخذ مداه، فلندع دمعتنا تنزلق الى اين تريد،لا تجففهوها بأوراق التجفيف، دعوها تأخذ مداها.
وصية محمود: لا تجعلوني أيقونة! أنا هو الحي بينكم وفيكم! اجعلوني منارة لشعراء يكملون رسم ما لم أستطع أن أنهيه. في أحشائي بذرة لمولد شاعر. دعوا هذه البذرة تنمو.أنا لست نبيا،أنا انسان مثلكم، لم أكن بحاجة في يوم من الأيام الى نبي لكي يلهمني، لم أكن بحاجة في يوم من الأيام الى اله كاذب.. لقد قالها توفيق: أنا انسان بسيط لم أحمل يوما على كتفي مدفع.كل ما أردته هو الوعي وفقط الوعي. صدقوني! لاتحولوني الى اله! احتفظوا بي، بالانسان الذي في داخلكم!

رياض مصاروة
الأثنين 11/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع