في بطن هذه الأرض ما يستحق الحياة



صفة الإنسان فيه تكتسب المعنى, وما سواها من صفات تطلق على الرجال العظماء لا تصلح لمحمود درويش فهو جمعها كلها حتى بت أخاف أن أنسى إحداها فلا أوفيه حقه, وتكون الحقيقة ناقصة غير مكتملة ...
محمود درويش الإنسان الذي ما بين "سجّل" ولاعب النرد" بنى لنا حضارة كاملة, وشيّد لنا صرحاً نتكيء عليه حين تحنينا عواصف الجهل وركيك القوافي ...
وليس أبهى واعظم من مقطع قصيدة واحدة له يختصر الدنيا بكلمات نعجز أن نجاريها..
فهو المتيم والمتمم ما مضى...وماذا عنا وعن مستقبلنا, من يصوغه لنا الآن نحن اليتامى بعدك يا محمود..؟
وحاء الحديقة والحبيبة حيرتان وحسرتان...فمن هما وما هما يا محمود ذهبت قبل أن تحل لنا اللغز..حياتك..
وميم الأخرى المعد المستعد لموته...فلماذا لم تعددنا إن كنت تعلم...؟ الموعود منفياً مريض المشتهى...
واو الوداع الوردة الوسطى ولاء للولادة أينما وجدت ووعد الوالدين...
ودال الدليل الدرب دمعه دارة درست ودوري يدللني ويدميني...
بات اليوم يدللنا ويدمينا كلنا...
وهذا الاسم لي ...وبات اليوم لنا الكل وأنت الكل الذي ما جزأه الرحيل..
ولأصدقائي أينما كانوا...لنا أينما كنا ...؟
ليتني أتشرف أن أكون من بين من قصدتهم في الكلمات الأخيرة..
عرفتك ولكن ليس كما ينبغي , وجالستك ولكن أقل بكثير مما ينبغي , وقدستك بأقل مما ينبغي , وحاولت أن أصلك وحاولوا ولكن هل ينبغي؟
فالنبوة رسالة ووحي ومن يملك أن يستخار أو يختار؟
وأنت الرسالة والرسول...
يا نبي الشعر ...يا آخر الأنبياء هل قتلناك؟ كما قتلنا غيرك...

 

مشيت, هرولت, ركضت وصعدت إلى أن أدميت وأغمي عليك ولكنك  لم تقل لنا أنك مت, فهل هي غيبوبة يا لاعب النرد ..؟رد..؟ لم لا ترد؟
أم هل هي قصيدتك الأخيرة التي سافرت إلى اللامكان واللازمان لتكتبها فكانت بلاغتك القصوى , حين تمنح الحزن فرصة الانتصار , وتمنح للموت الحياة..
اشعر أن كل ما أكتب ليس سوى هدراً للغة وللمعنى , وقد غاب عنها معناها وفارسها الحاضر والماضي..
فيراعي اليوم أعجز من أن يكتب رثاءً لحي سيبقى يخجل من دمع أمه حتى ما بعد بعد الغياب....
غريب هذا الشعور بأنك لم تمت وأن الشواهد التي بقيت تشير إليك تحكي قصة سرمدية , وترينا صورتك متحركة لا تتوقف ولا تغيب تتكلم تلقي الشعرزنابقاً حيناً وقنابلاً حيناً آخر, تحضر بين الفينة والفينة حتى في منامانتا كأننا لا نصدق أو أننا فعلاً لا نصدق وحق لنا أن لا نصدق , والأبجدية تضحك هناك من عل تقهقه أن فارسها لا يمكن أن يموت..
يا إعجازنا البشري أنت دليل وجودنا..
أنت الدمع الذي مر واستقر..
أنت الأمل الذي حاك أحلامنا زهرة زهرة..
وسطر تاريخنا شجرة شجرة..
وفي الختام هل قتلك ذلك الرقم السحري..
سنين ميلادية خرقاء, تمر ولا تمر: دموع وشموع... كان يجب أن تكون أطول..
يجب الذي يجب..
هل صدفة يهزمنا نفس الرقم مرتين؟
ام هل قتلتك أحلامك الوردية التي اخترعتها في مختبر القصيدة ولم تنل سوى اعتراف البسطاء والعظماء والحكماء والشعراء..
بالأمس كان "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"
وغداً سيصبح"في بطن هذه الأرض ما يستحق الحياة"

بقلم أحمد الخطيب
الأربعاء 13/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع