وداعا لشعر الألم



وقال: اذا مت قبلك اوصيك بالمستحيل! سألت: هل المستحيل بعيد؟ فقال: على بعد جيل سألت: وان مت قبلك قال: اعزّي جبال الجليل واكتب: ليس الجمالي الا بلوغ الملائم، والآن لا تنس: ان مت قبلك اوصيك بالمستحيل عندما زرته في سدوم الجديدة في عام الفين واثنين، كان يقاوم حرب سدوم على اهل بابل والسرطان معا، كان كالبطل الملحمي الأخير يدافع عن حق طروادة في اقتسام الرواية/ نسر يودع قمته عاليا، فالاقامة فوق الاولمب وفوق القمم قد تثير السأم وداعا، وداعا لشعر الألم. نخاطبك بكلامك الذي خاطب ارواحنا، لا شيء ايها الشاعر الذي ذهب الى موته مستعجلا المعركة الثالثة مع القدر، لا شيء سوى كلماتك.
لا اصدق الموت، لا لأنه كاذب، بل لأنه صادق ويتقن عمله. لذلك نتركك يا محمود درويش تمضي من القمة التي أثارت سأمك وسأم ادوارد سعيد، ونخاطبك بالكلمات التي خاطبت بها ادوارد، ونتركك لهاوية النسور وجبال الجليل. نراك طفلا ينظر ذاهلا بعينيه الجميلتين إلى الحياة وهي تنتهي، ونعود إلى كلماتك، التي مزجت المستحيل بالملائم. لن اروي عنك اليوم، كل الكلام لك يا امير الكلام. اقف وحدي وابكي. لا ابكيك بل ابكي البكاء الذي اخترعه جدي وجدك وجد العرب امرؤ القيس، محولا الحصان إلى حكاية والمثنى إلى لحظة انفصال الأنا عن الأنا.
عندما تتوحد الأنا بالأنا يكون الموت، لكننا نبكي ونقول للأصدقاء جميعا قفا نبك، فلنكن في المثنى، او فلنرث منك انقسام الأنا عن الأنا، كي نموت مع الحصان. هل نسألك سؤالك، ونقول لك "لماذا تركت الحصان وحيدا"؟ ام نسأل الحصان الذي اغوته الجليلية.
"لا شيء الا الضوء لم اوقف حصاني الا لأقطف وردة حمراء من بستان كنعانية اغوت حصاني" هل اراد الحصان ان يموت مضرجا بقصيدتك، كي يقتلك وانت على صهوة الزمن: "سقط الحصان عن القصيدة والجليليات كن مبللات بالفراش وبالندى، يرقصن فوق الاقحوان الغائبان انا وانت انا وانت الغائبان زوجا يمام ابيضان يتسامران على غصون السنديان لا حب، لكني احب قصائد الحب القديمة، تحرس القمر المريض من الدخان كرّّ وفرّ كالكمنجة في الرباعيات أنأى عن زماني حين ادنو من تضاريس المكان لم يبق في اللغة الحديثة هامش للاحتفاء بما نحب فكل ما سيكون... كان.. سقط الحصان مضرجا بقصيدتي وانا سقطت مضرجا بدم الحصان...". والله ايها الشاعر كل قصائدك تصلح للبكاء عليك، فأنت لم تكن في حضرة الغياب الا كي تكمله.
"فلتحتفل مع اصدقائك بانكسار الكأس في الستين لن تجد الغد الباقي لتحمله على كتف النشيد... ويحملك قل للغياب نقصتني وانا اتيت لأكملك".
وكي تكمل الغياب يا صاحبي عليك ان لا تنزل عن الصليب مثلما فعلت في "الجدارية"، بل ستبقى عاليا فوق قمة الجليل وقبة ارواحنا.
ومثلما سار المسيح على البحيرة سرت في رؤياي لكني نزلت عن الصليب لأنني أخشى العلو ولا ابشر بالقيامة.
هذه المرة اخذتك القصيدة إلى الأعلى، وعندما حاولت النزول، جاءك شعر الألم، جاعلا منك قصيدته الأخيرة.

(عن القدس العربي)

الياس خوري
السبت 16/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع